وأخيرا فإن بودلير قد استطاع أن يطبع بطابع لا يمحى كل شيء بصفاء مشعشع بالنور، وبساطة تامة، وتخلص رشيق، في عبارات كلها صدق وكلها جمال، غير مقيد بتلك الهرطقة الشلاء، ففكرة الفن عند بودلير هي فكرة التحايل والمهارة.
وعندي أن «ألكوك» قد أحاط بذلك كله حين يقول: «وهكذا الدنيا التي خلقها بودلير، دنيا حالمة بالجمال، وروح العزاء المرفه عن العاطفة ما تراوح بها طغيانها بين الحرة والضيق ... إن تفوق بودلير في الصور الشعرية قد أغناه عن تلمس شواهد حية على مذهبه العلمي، وعما يدخل في وحدة الفن من الصورة والصوت واللون والرائحة، فمقاييسه عطرية الشذى، فطرية اللون، وإيقاعه الموسيقي يترجم دائما عن أصداء مزاجه الشعري، أما أسلوبه فقد تحول حتى ليرى واضحا، بسيطا، رائعا».
لقد كان بودلير فنانا صادقا، طموحا، محبا للجمال. وعلى العكس مما يرى الكثيرون فإنه باندفاعه المزن في تلويث الجمال الأرضي، ورده كل أنثى امرأة عاهرة، قد أفشى عاطفته المكرسة لعبادة الجمال المطلق.
ولكنه غامر وكابد كثيرا في نشدان حرية الفكر، من حيث هي حرية الفن ، وليس لنا إلا أن نتمثل قوله:
وسأظل دائما وربما إلى الأبد - كذئب وقع في كمين - أثب إلى قمة المثل الأعلى ...
الفصل الثالث
في الأدب الإنجليزي الحديث
من رسائل الكاتبة «ربيكا وست»
الكاتبة ربيكا وست
Rebeeca West
Unknown page