99

Arkhas Layali

أرخص ليالي

Genres

وكان حمودة أتعس خصم لمليم؛ فهو ليس صاحب كلام كثير، وإذا تكلم خرج كلامه سريعا موجزا كأنه طلقات مدفع سريع، وما أقرب ما يغضب، فيمط وجهه حتى يصبح طويلا كاللبانة الممدودة، وتتنافر عيناه، ثم تتوالى الطلقات من فمه، ويثور. كان هذا حمودة على طبيعته، أما حين كان يلعب مع مليم فكان حينئذ لا يتكلم، ويكسو وجهه قناع متحفظ جامد؛ فقد كان يرى أنه بلعبه مع مليم إنما ينزل عن مستواه، فهو ابن عيلة، ومليم هذا لا يعرف أحد كيف جاء إلى البلد، ولا من أين جاء، فقد أصبحوا يوما ووجدوه بينهم، ولا زال كما كان يوم جاء صائعا هلفوتا، يملأ صفائح الماء للمحلات من حنفية المجلس البلدي، كل صفيحة بمليم، وينام حيثما اتفق، في القهوة حينا، وفي الخرابة التي وراءها حيث يقوم السوق حينا آخر. صحيح أنه يقول إنه من الغربية، ويهدد كل يوم بترك البلدة والذهاب إلى أهله في بلاد العز، ولكنه لم ينفذ تهديده أبدا.

ثم إن حمودة متزوج وله بنتان، أما هذا فلا زوجة له ولا ولد، وإنما هو يلف تارة مع عفيفة السبارسية، وأخرى مع أم الشحات العجوزة صاحبة الغرزة.

وحمودة كان يرى نفسه متعلما، فقد قضى عاما في المدرسة الإلزامية، أما مليم فأين تعلم؟ إنه أمي جاهل لا يجيد إلا الرقص والدق على عنقه حتى يشخشخ.

من أجل هذا كان حمودة يعامله بحرص، وإذا ضايقه مليم بصراخه وجعجعته كان يلقي عليه نظرة بجانب وجهه الذي فيه عينه، ويكز على شفته، ثم يسكت.

وعلى هذا اشتد الخلاف على العشرة، وكان المتفرجون يقولون إن حمودة هو الغالب، وكانوا يقولونها في قسوة ليست غريبة عليهم، فهم يخذلون المغلوب مهما كان المغلوب، ويشيع فيهم سرور وحشي وهم ينهشون كل ما يبذله الخاسر من محاولات يائسة للنيل من انتصار زميله. واستسلم مليم في النهاية بقحة غاضبة وهو يزأر ويموء غير موافق، وطالب أن يولوا الحساب واحدا له ذمة. واقترح الجالسون «الأستاذ» مصيلحي، ووافق اللاعبان، وكل منهما يمدحه بكلمة. وانتشى مصيلحي وقد أسعده أن يرتضوه حكما وأمينا.

ودار اللعب.

كان مليم يمسك الأوراق متقاربة، ويكاد يلصقها في صدره، ولا يفتحها إلا بحساب. وكان يراقب حمودة في دقة وحذر وهو يفرق، ويفتش الورق في كل مرة «يقش» فيها حمودة، ولا يطمئن إلا إذا رأى الولد بعينه.

وكان لا يكتفي بتفنيط حمودة، فيمسك الدستة، ويكاد يمزقها تفنيطا لولا زغرات المعلم التي توقف كل شيء عند حده.

وعلى النقيض، كان حمودة يمسك أوراقه مفرودة مبعثرة في غير اعتناء، فيعطي مليما الفرصة لكي يعرف أوراقه بنظراته المختلسة المتلصصة. وكان لا يجاري مليما في شكوكه وظنونه السوداء، إنما كان مخه هو الذي يعمل فقط، فهو يحسب كم ثمانية تبقت، وهل انتهت السبعات أم بقيت الكومي، وساعات كان يغلبه طبعه، فإذا بدا أن العشرة سيخسرها كان يتصنع الغباء، ويبدأ في العد من جديد، ويناكف ويغالط، ولكن بغير ضجة أو ضوضاء.

وكسب مليم العشرة الثانية.

Unknown page