91

Arkhas Layali

أرخص ليالي

Genres

ثم يغيب الشيخ ليعود ينظر إليه نظراته التائهة الطويلة.

ومر واحد من فوق الرصيف، ورمى بعقب سيجارة، وجاءت في متناول الشيخ، وفي اتزان واطمئنان وثبات مد الشيخ يده والتقطها، وشد منها نفسا عميقا، وأخرج دخانا كثيرا من جوفه وهو ناعم ملتذ، وأطل بنظرة سعيدة على الشبراوي وحلقات الدخان تلهو في بطء حول وجهه وقال بكل ثبات: وحد الله.

ولم يتمالك الشبراوي نفسه، وضحك، وتمنى أن يرقد مثل رقدة الشيخ، وأن يكون خالي الهم والمسئولية مثله. وحين مرت المسئولية على لسان وعيه التفت ناحية زبيدة، فوجدها تتثاءب.

وكاد يرقص من الفرحة.

ولم يطل بها التثاؤب وشيئا فشيئا مضى جسدها يثقل ويستكين، ثم راحت في النوم.

ولأول مرة تملى الشبراوي في وجهها، لم تكن حلوة، ولكنها كانت بيضاء، وكانت صغيرة وأقدامها فيها طين وجروح وخلخال غليظ. وكانت في نومتها لا تفترق عن العاقلين.

ولاحظ الشبراوي أن ثوبها مشقوق وفخذها بائن منه، وخفض من بصره وهو يلم الثوب ويغطيها.

ثم انخرط في تخريف لا يعرف له أول من آخر مع الشيخ حتى نام.

وحين تقدم الليل، وسكنت الدنيا، وتكوم محاسيب الست يغطون بجوار الحائط كالقرود التي أنهكها يوم مشحون بالرقص والنط، كان هو يتساءل عما أزال الغضب منه فلا يجيبه إلا الشخير الذي كاد يقلق السيدة في مقامها.

وصمم أن يسهر الليل بطوله ولم يكن هذا سهلا، فالنهار قد هده، والسفر أخذ منه ولم تبق لديه عافية بعد أن امتصت المشغولية وطول التفكير عافيته.

Unknown page