ولم يكن الشبراوي قد كف عن تحريك يده حين استدارت إليه زبيدة، وتكلمت بأعلى صوتها ومعالمها مدببة مشحوذة: ولا حاجة إزاي، إزاي يا جدع ولا حاجة؟!
ونظر الشبراوي إليها في جزع حقيقي، وهي تقترب بخلقتها من وجهه، وتراجع برأسه حتى ألصقها بخشب العربة واضعا المنديل بما فيه بينه وبينها.
ولكنها أنهت اقترابها منه فجأة، وانتصبت واقفة، ثم فتشت سقف العربة بعينين زائغتين وزعقت بكل ما تستطيع: ولا حاجة إزاي، يسقط عمدة بلدنا إبراهيم أبو شعلان، يسقط عمدة بلدنا، يعيش جلالة الملك، يعيش جلالة الملك الريس محمد بيه أبو بطة.
وطقت زغرودة فائرة.
ووقفت العربة على رجل، وطار النوم من عيون النائمين، وأخذ الرجل الجالس أمامه المقطف من تحت المقعد، ثم مضى مسرعا. وفي ثانية أصبح لزبيدة والشبراوي نصف العربة، بينما انزوى كل الركاب في النصف الآخر متوجسين شرا.
وغادر العربة نفر قليل من المسافرين، بينما أبقى حب الاستطلاع معظمهم.
وأصبحت بدلة الشبراوي كالمغسولة بعرقه، ومد يده يرغم زبيدة على الجلوس وينهي الموقف، ولكنها خبطته على يده، وتأودت وهي تزغرد وتقول: يسقط عمدة بلدنا، يعيش جلالة الملك الريس أبو بطة.
وانطلقت ضحكات بائعي الكازوزة والفول السوداني، وجرت وراءها ضحكات المسافرين، ولم يجد الشبراوي مانعا من ضحكه هو الآخر، ولكنه لم يضحك طويلا، فقد فوجئ بالمسألة تنقلب جدا لا هزل فيه، وروعه من زبيدة أنها مدت يدها، ورفعت ذيل ثوبها تريد أن تخلعه، وكانت ترتدي ثوبها فقط، وهجم عليها يوقفها، ودفعته وهي تزغرد، وقامت معركة.
ولو أنه تغلب عليها آخر الأمر فأقعدها بالقوة وربطها بكوفية تبرع بها واحد من المسافرين، مع هذا إلا أنها كانت قد فعلت شيئا أفقده صوابه، فقد قذفت بطربوشه من نافذة القطار، الطربوش الذي ظل فوق رأسه من يوم أن دخل الخدمة، وبقيت فروته عارية بيضاء إلا من شعره القليل القصير.
ولم تهدأ زبيدة حتى بعد أن فعلت هذا، وظلت تطلق الزغاريد، وفي كل مرة: يسقط العمدة ويعيش الريس.
Unknown page