وبعد انتظار كثير جاء قطار الدلتا، وركب هو وزبيدة، وجلست هادئة ساكنة، وتحرك القطار في أمان الله.
وتحسس الشبراوي الأوراق للمرة الثالثة، وقد وضعها بعناية في جيبه الداخلي، ولما رأى أن لا متاعب هناك، وأن الحال مثل القشطة، فك حزامه البوليسي العريض، واستراح، وكاد ينسى زبيدة.
وانتهى قطار الدلتا من ركناته وسرحاته ومحطاته التي لا تفرغ، ثم دخل المنصورة كالدودة السوداء الطويلة، وعبر الشبراوي الكوبري، وزبيدة في يده، وهو لا يني عن ترديد: بركاتك يا سيدة زينب.
وسأل عن قطار مصر فوجده رابضا ينتظره، وركب وأجلس زبيدة بجوار النافذة. وجاء بائع الليمون فشرب منه كوبتين في نفس واحد، ومد الثالثة إلى زبيدة ، ولكنها دفعتها في تبرم وحنق، وهدهد عليها وهو يتبع الكوبة زميلتيها.
وتحرك القطار والناس فيه آمنون مطمئنون، وزبيدة تنظر من الشباك كالطفلة الصغيرة وعلى فمها ابتسامة نيئة، والشبراوي تطقطق له السعادة أصابعه.
وقبل السنبلاوين استدارت زبيدة فجأة، ثم دبت على صدرها في عنف، وقالت وهي تنظر إليه في اتهام غريب: يا لهوي.
ونزل الشبراوي مهرولا من جنات سعادته، ورد عليها في انفعال: مالك يا اختي، مالك يا زبيدة؟!
ولم تجبه، وإنما وضعت كفها تحت أنفها، وبأقصى قوتها أطلقت زغرودة خالية من كل هم.
وأعقبتها بسرب طويل من الزغاريد.
والتفت الركاب إليها، وصمتت العربة كلها في دهشة عظمى.
Unknown page