واما الشكوى عند الحق المتعالي واظهار الجزع والفزع امام قدسيته فلا تتنافى مع الصبر . كما اشتكى النبي ايوب عند الحق سبحانه قائلا : «أني مسني الشيطان بنصب وعذاب» (1) رغم ان الله تعالى اثنى عليه بقوله «انا وجدناه صابرا نعم العبد انه اواب» (2) . وقال النبي يعقوب «انما اشكوا بثي وحزني الى الله» (3) مع انه كان من الصابرين . بل ان ترك الشكوى الى الحق المتعالي اظهار للجلادة وللدعوى (انتهى) .
ويبدو من تراجم حياة الانبياء العظام والائمة المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين رغم ان مقاماتهم كانت ارفع من مقام الصبر ومقام الرضا والتسليم ، انهم لم يمتنعوا من الدعاء والتضرع والعجز امام المعبود ، وكانوا يسألون حاجاتهم من الحق سبحانه . وهذا لا يكون مغايرا للمقامات الروحية ، بل ان تذكر الحق جل وعلا والخلوة والمناجاة مع المحبوب واظهار العبودية والذل امام عظمة الكامل المطلق ، غاية آمال العارفين وثمرة سلوك السالكين .
فصل: في نتائج الصبر
اعلم ان للصبر نتائج كثيرة التي منها ترويض النفس وتربيتها : اذا صبر الانسان حينا من الوقت على المفاجئات المزعجة ونوائب الدهر ، وعلى مشاق العبادات والمناسك وعلى مرارة ترك الملذات النفسية امتثالا لأوامر ولي النعم ، وتحمل الصعاب مهما كانت شديدة ومؤلمة ، تروضت النفس شيئا فشيئا ، واعتادت وتخلت عن طغيانها ، وتذللت صعوبة تحمل المشاق ، عليها ، وحصلت للنفس ملكة راسخة نورية ، بها يتجاوز الانسان مقام الصبر ليبلغ المقامات الاخرى الشامخة . بل ان الصبر على المعصية يبعث على تقوى النفس ، والصبر على الطاعة يسبب الاستيناس بالحق عز وجل ، والصبر على البلايا يوجب الرضا بالقضاء الالهي ، وكل ذلك من المقامات الشامخة لأهل الايمان، بل لأهل العرفان . وقد ورد في الاحاديث الشريفة عن اهل بيت العصمة ثناء بليغ على الصبر . كما في الكافي الشريف عن الامام الصادق عليه السلام :
قال : «الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد فاذا ذهب الرأس ، ذهب الجسد ، وكذلك اذا ذهب الصبر ، ذهب الايمان» (4) .
Page 248