207

Arbacun Hadithan

الاربعون حديثا

Genres

الاربعون حديثا :211

فصل: في بيان الفرق بين « التفويض » و« التوكل » و« الثقة »

ثم اعلم ان «التفويض» ايضا غير «التوكل» ، وان «الثقة» غيرهما . ولذلك فقد اشير اليهما في مقامات السالكين بصورة منفصلة .

يقول الخواجة عبد الله الانصاري : «التفويض الطف اشارة واوسع معنى من التوكل ثم قال : التوكل شعبة منه» . وذلك لأن التفويض هو ان لا يرى العبد في نفسه حولا ولا قوة ، ولا يجد ان له التصرف في شيء ، ويرى الحق تعالى هو المتصرف في كل الامور . اما في التوكل فليس الامر كذلك ، لان المتوكل يجعل الحق سبحانه قائما مقامه في التصرف واجتلاب الخير والصلاح . واما ان التفويض اوسع ، لان التوكل فرع منه ، لان التوكل يكون في المصالح ، والتفويض يكون في الامور كافة .

ولان التوكل لا يكون الا بعد وقوع سبب يستوجبه ، اي عند وجود امر يتوكل فيه العبد على الله ، مثل توكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم واصحابه على الله في ان يحفظهم من المشركين ، حينما قيل لهم : «ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل» (1) واما التفويض فيكون قبل وقوع السبب ، كما جاء في الدعاء المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «اللهم اني اسلمت نفسي اليك ، والجأت ظهري اليك ، وفوضت امري اليك» (2) . وقد يكون بعد وقوع السبب ، مثل تمثيل مؤمن آل فرعون .

ان ما ذكرناه يكون حاصل ترجمة شرح العارف المعروف «عبد الرزاق الكاشاني» للتوكل والتفويض مأخوذا من كلام العارف الكامل «الخواجة عبد الله» مع شيء من الاختصار وفي كلام الخواجة ما يدل على ذلك . ولكن في اعتبار التوكل شعبة من التفويض يستدعي النظر .

كما ان في جعل التفويض من التوكل مسامحة واضحة . وكذلك ليس ثمة دليل على ان التوكل يقع بعد وقوع السبب . اذ في كلتا الحالتين قبل وبعد وقوع السبب يصح معنى التوكل . اما الحديث الشريف الذي يقول : «فتوكل على الله بتفويض ذلك اليه» فيمكن القول بأنه لا توكل الا مع رؤية تصرفه بنفسه ، ولهذا يتخذ لنفسه وكيلا في امر من اموره الخاصة به . الا ان الرسول الاكرم اراد ان يرفع ذلك من مقام التوكل الى مقام التفويض ، وليفهمه ان الحق تعالى لا يقوم مقامك في التصرف ، بل هو المتصرف في ملكه ومملكته . وقد نبه على ذلك الاربعون حديثا :212

Page 211