205

Arbacun Hadithan

الاربعون حديثا

Genres

ينافيان الاعتماد والتوكل عليه . وما هذا الا من مكائد النفس والشيطان . فهؤلاء ليسوا متوكلين على الله ، لا في الامور الدنيوية ، ولا في الامور الاخروية ، ولا هم يعتمدون عليه في اي امر من الامور . ولكنهم ، لاهتمامهم بالامور الدنيوية ، يتشبثون بالاسباب ، دون الاعتماد على الحق تعالى وتصريفه للشؤون في العالم . وعلى العكس من ذلك ، فهم ، لعدم اهتمامهم بامور الآخرة ، وعدم ايمانهم ايمانا صادقا بيوم المعاد وتفاصيله ، يصطنعون لذلك الاعذار . فمرة يقولون : «الله عظيم» ، ومرة يظهرون الاعتماد على الله وعلى شفاعة الشفعاء ، مع ان هذا كله ليس سوى لقلقة لسان لا اساس لها من الحقيقة في شيء .

وثمة فريق ثان من الناس اقتنعوا ، اما بالبرهان واما بالنقل ، وصدقوا بأن الحق تعالى هو مقدر الامور ، ومسبب الاسباب ، والمؤثر في الوجود ، ولا حدود لقدرته وتصرفه . هؤلاء يتوكلون على الحق سبحانه عن طريق العقل ، اي ان اركان التوكل تامة عندهم ، بحسب الادلة العقلية والنقلية ولهذا فهم يرون انفسهم من المتوكلين ، ويقيمون الدليل ايضا على لزوم التوكل ، لأنهم اثبتوا اركان التوكل ، والتي هي امور :

ان الحق تعالى عالم بحاجات العباد .

انه قادر على تلبية تلك الحاجات .

انه ليس في ذاته المقدسة بخل .

انه رحيم بالعباد ورؤوف بهم .

واذا ، يجب التوكل على عالم قدير كريم رحيم بالعباد ، قائم بمصالحهم ، لا يفوت عليهم شيئا فيها ، حتى وان لم يميزوا هم بين ما ينفعهم وما يضرهم . هؤلاء وان كانوا من المتوكلين عمليا ، الا انهم لم يبلغوا مرتبة الايمان . فهم لهذا مضطربون في اتخاذ امر من امورهم ، وعقولهم مغلوبة في الصراع مع قلوبهم ، لانها بالاسباب متعلقة ، وعن تصرف الحق سبحانه في الاشياء محجوبة .

اما الطائفة الثالثة ، فهم الذين توصلوا بقلوبهم الى معرفة تصرف الحق تعالى في الكائنات ، فآمنت تلك القلوب بأن مقدر الامور ، والسلطان ومالك الاشياء ، هو الحق تعالى ، وكتبوا بقلم العقل على الواح القلوب اركان التوكل . هؤلاء هم اصحاب مقام التوكل . غير ان هؤلاء ايضا يختلفون من حيث مراتب الايمان ودرجاته اختلافا كبيرا ، قبل ان يصلوا الى درجة الاطمئنان الكامل . وعند ذاك تظهر في قلوبهم درجةالتوكل الكاملة ، ولا تتعلق بالاسباب ، بل تتشبث بمقام الربوبية ، فتطمئن اليه وتعتمده ، كما وصف العارف المتقدم ، التوكل قائلا انه : «طرح البدن في العبودية وتعلق القلب بالربوبية» . وكل ما قلناه يعود الى ما اذا كان القلب في مقام الكثرة الافعالية ، والا فانه يتجاوز مقام التوكل ويخرج عن المقصود .

Page 209