Arbacun Hadithan
الاربعون حديثا
Genres
الاربعون حديثا :154
فالمرء اذا ترك النفس الامارة على حالها ، دفعت به بسبب ميلها
الذاتي نحو الفساد وعدم ارتياحها ومساعدة الشيطان لها ، والوسواس الخناس الى الفساد . فيتفاقم حالها ، وتزداد قوة وشدة يوما بعد يوم ، حتى يصل الامر بتلك الرذيلة التي تابعها ان تتخذ الصورة الجوهرية للنفس وفصلها الاخير ، وتصبح مملكة الانسان ، ظاهرها وباطنها تحت سيطرة تلك الرذيلة . فاذا كانت رذيلة شيطانية ، كالنفاق والاتصاف بذي الوجهين ، مما هو من صفات ذلك الملعون (اي الشيطان ) كما جاء في القرآن الكريم : «وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين» (1) ، بينما كان الامر خلاف ذلك استسلمت مملكة الانسان للشيطان ، واصبحت الصورة الاخير للنفس وباطنها وذاتها وجوهرها ، صورة للشيطان ، وقد تصبح صورته الظاهرة في الدنيا ايضا كصورة الشيطان ، وان كانت ملامحه هنا بشرية .
فاذا لم يقف الانسان بوجه هذه الصفة ولم يردعها ، وترك نفسه وشأنها ، فلن يمضي وقت طويل حتى يفلت الزمام منه ، ويصبح كل همه واهتمامه منصبا على تلك الرذيلة ، حتى انه لا يلتقي شخصا الا وعامله معاملة ذي الوجهين وذي اللسانين ، ولا يعاشر احدا الا وخالطت معاشرته تلك الصفة من التلون والنفاق ، دون ان يخطر له شيء سوى منافعه الخاصة وانانيته وعبادته لذاته ، واضعا تحت قدميه الصداقة والحمية والهمة والرجولة . ومتسما في كل حركاته وسكناته بالتلون ، ولا يمتنع عن اي فساد وقبح ووقاحة . ان شخصا هذا شأنه يكون بعيدا عن البشرية والانسانية ، ومحشورا مع الشياطين .
كل هذا الذي استعرضناه يمثل القوة والضعف في جوهر النفاق نفسه ، ولكنه يختلف باختلاف متعلقه . فقد يكون النفاق في دين الله وقد يكون في السجايا الحسنة والفضائل الاخلاقية ، وقد يكون في الاعمال الصالحة والمناسك الالهية ، وقد يكون في الامور العادية والمتعارف عليها . وهكذا قد ينافق المرء مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، او مع أئمة الهدى عليهم السلام ، او مع الاولياء والعلماء والمؤمنين ، وقد يتسع النفاق فيكون مع المسلمين وسائر خلق الله من الملل الآخرى .
بديهي ان تكون هناك اختلافات في مدى قبح هذه الحالات التي عددناها ووقاحتها ، على الرغم من انها جميعا تشترك من حيث الاصل في الخبث والقبح ، لانها فروع واغصان لشجرة خبيثة واحدة .
فصل:
ان النفاق والاتصاف بذي الوجهين وان كانا في انفسهما من الصفات القبيحة التي لا يتصف بها الانسان الشريف ، ويعتبر المتصف بها خارجا عن المجتمع الانساني ، بل لا يكون الاربعون حديثا :155
Page 154