Arbacun Hadithan
الاربعون حديثا
Genres
الاربعون حديثا :132
فصل: في بيان فوائد القوة الغضبية
اعلم ان غريزة الغضب من النعم الالهية التي يمكن بها عمارة الدنيا والآخرة ، وبها يتم الحفاظ على بقاء الفرد والجنس البشري والنظام العائلي ، ولها تاثير كبير في ايجاد المدينة الفاضلة ونظام المجتمع . فلولا وجود هذه الغريزة الشريفة في الحيوان لما قام بالدفاع عن نفسه ضد هجمات الطبيعة ، ولآل امره الى الفناء والاضمحلال . ولولا وجودها في الانسان ، لما استطاع ، ان يصل الى كثير من مراتب تطوره وكمالاته زائدا على تحقق ما تقدم . بل ان التفريط والنقص من حال الاعتدال يعد من مثالب الاخلاق المذمومة ومن نقائص الملكات التي يترتب عليها الكثير من المفاسد والمعايب ، كالخوف ، والضعف ، والتراخي ، والتكاسل ، والطمع ، وقلة الصبر ، وعدم الثبات في المواقف التي تتطلب الثبات ، والخمود ، والخنوع ، وتحمل الظلم ، وقبول الرذائل ، والاستسلام لما يصيبه او يصيب عائلته ، وانعدام الغيرة ، وخور العزيمة ...
ان الله سبحانه يصف المؤمنين بقوله : «اشداء على الكفار رحماء بينهم» (1) .
ان القيام بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتنفيذ الحدود والتعزيرات وسائر التعاليم السياسية الدينية والعقلية ، لا يكون الا في ظل القوة الغضبية الشريفة . وعلى ذلك ، فان الذين يظنون ان قتل غريزة الغضب بالكامل واخماد أنفاسها يعد من الكمالات والمعارج النفسية انما يرتكبون خطيئة عظيمة ، ويغفلون عن حد الكمال ومقام الاعتدال . هؤلاء المساكين لا يعلمون ان الله تبارك وتعالى لم يخلق هذه الغريزة الشريفة في جميع اصناف الحيوانات عبثا ، وانه جعل هذه الغريزة في بني آدم رأسمال الحياة الملكية والملكوتية ، ومفتاح الخيرات والبركات . ان الجهاد ضد اعداء الدين ، وحفظ النظام العائلي للانسان ، والدفاع عن النفس والمال والعرض ، وعن سائر القوانين الالهية ، والجهاد مع النفس وهي الد اعداء الانسان ، لا يكون كل ذلك الا بهذه الغريزة الشريفة . ان منع الاعتداءات والذب عن الحدود والثغور ، ودفع المؤذيات والمضرات عن الفرد والمجتمع ، يجري تحت لواء هذه الغريزة . لذلك سعى الحكماء الى معالجة خمود هذه الغريزة وركودها . وهناك معالجات علمية وعملية لايقاضها وتحريكها : مثل الاقدام على الامور العظيمة المخيفة ، والذهاب الى ميادين الحرب ، والجهاد ضد اعداء الله . فقد نقل عن بعض المتفلسفين انه كان يرتاد الاماكن المخوفة ويلبث فيها قليلا ويلقي بنفسه في المخاطر العظيمة ، ويركب البحر في اوج تلاطم امواجه ، وذلك لكي يخلص نفسه من الشعور بالخوف ويتحرر من الضعف والكسل .
Page 132