Ar-Raheeq Al-Makhtum
الرحيق المختوم
Publisher
دار الهلال
Edition Number
الأولى
Publisher Location
بيروت (نفس طبعة وترقيم دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع)
Genres
كانوا قد ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها، ثم لأناجزنهم. قال علي: فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون، فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل، ووجهوا إلى مكة «١» .
تفقد القتلى والجرحى
وفرغ الناس لتفقد القتلى والجرحى بعد منصرف قريش. قال زيد بن ثابت: بعثني رسول الله ﷺ يوم أحد أطلب سعد بن الربيع، فقال لي: إن رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله ﷺ: كيف تجدك؟ قال: فجعلت أطوف بين القتلى، فأتيته وهو باخر رمق، وفيه سبعون ضربة: ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم، فقلت:
يا سعد، إن رسول الله ﷺ يقرأ عليك السلام، ويقول لك: أخبرني كيف تجدك؟ فقال:
وعلى رسول الله ﷺ السلام، قل له: يا رسول الله أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله ﷺ وفيكم عين تطرف، وفاضت نفسه من وقته «٢» .
ووجدوا في الجرحى الأصيرم- عمرو بن ثابت- وبه رمق يسير، وكانوا من قبل يعرضون عليه الإسلام فيأباه، فقالوا: إن هذا الأصيرم ما جاء به؟ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الأمر، ثم سألوه: ما الذي جاء بك؟ أحدب على قومك، أم رغبة في الإسلام؟ فقال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله ورسوله، ثم قاتلت مع رسول الله ﷺ، فقال: هو من أهل الجنة. قال أبو هريرة: ولم يصل لله صلاة قط «٣» .
ووجدوا في الجرحى قزمان- وكان قد قاتل قتال الأبطال، قتا وحده سبعة أو ثمانية من المشركين- وجدوه قد أثبتته الجراحة، فاحتملوه إلى دار بني ظفر، وبشره المسلمون فقال: والله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت. فلما اشتد به الجراح نحر نفسه. وكان رسول الله ﷺ يقول: إذا ذكر له، إنه من أهل النار «٤» - وهذا هو مصير المقاتلين في سبيل الوطنية أو في أي سبيل سوى إعلاء كلمة الله، وإن قاتلوا تحت لواء الإسلام، بل وفي جيش الرسول والصحابة.
(١) ابن هشام ٢/ ٩٤، وفي فتح الباري أن الذي خرج في آثار المشركين هو سعد بن أبي وقاص (٧/ ٣٤٧) .
(٢) زاد المعاد ٢/ ٩٦.
(٣) نفس المصدر ٢/ ٩٤، وابن هشام ٢/ ٩٠.
(٤) نفس المصدر الأول ٢/ ٩٧، ٩٨، وابن هشام ٢/ ٨٨.
1 / 254