1
الفلسفة فقعد حسيرا ملوما، وصبا إلى الجامعات فما فتح له الجزء الأول من البكالوريا أبواب معاهد الحقوق؛ فقلع ثوب «جنسيته» وجاءها متنكرا بهوية غريبة، فقبل على الرحب والسعة.
ورسب عدة سنوات فيئس وطلق الحقوق ثلاثا. التفت يمينا وشمالا فلم يجد خيرا من «الباب الواسع» فولجه، وأخذ يمد الصحف بالأخبار المحلية، فأحس الناس بوجوده. ثم تخطى إلى معالجة سياسة البلد وشئونه الداخلية، فانفتحت له أبواب ضواطير السياسة، فأمسى وإياهم يمرحون في صعيد واحد ...
وتذكر بعد حين أنه عرض على معلمه - حين كانوا يتعلمون العروض - ما قرزم من شعر، فقال له: إنك ستكون قوالا،
2
فهاجم أحد الرؤساء بقصيدة وقعت منه موقع استحسان؛ لأنه طعن بها على السلف وقدس الخلف. وأعاد الكرة في مناسبة أخرى فحك للممدوح حكا أرضاه فقربه وأدناه؛ فهام صاحبنا في أودية الشعر، ثم طمح إلى القمم مستعينا بالصحف فجعلته الشاعر الكبير، فمات من الفرح.
ورأى أنه يحسن «الريبورتاج» فأخذ يمتحن ما يجريه قلمه من الأنهار في صحارى الصحف، فرأى فيه عناصر القص، فشاء أن يكون قصصيا كبيرا، كما صار شاعرا كبيرا بباعه وذراعه ومعونة صحف كان يغمرها بأخباره الملفقة.
انكب على قراءة بلزاك واستندال ودوستويفسكي، فما رأى عندهم معجزا. رأى أنه مثلهم، وأنه يستطيع ما استطاعوا، فتمخض ووضع قصة عجيبة، لف المولود الجديد بأقمطة براقة، وطاف بتحفته على دور النشر، فوعدته بمطالعتها ورد الجواب. وبعد أسبوع أعيدت إليه مع الشكر، فغضب وسب دين بلاد ليس فيها من يتذوق الأدب السامي، وأخذ يعلن في الصحف التي يراسلها عن قصته العجيبة، ويعد العالم العربي بظهورها قريبا، ومما كتبه في أحد الإعلانات:
فريدة، قصة جديدة ... مؤلفها الشاعر الأكبر ... فتح جديد في لغة الضاد.
فيها اشتباكات ديماس، ووصف زولا، وتحليل دوستويفسكي، وعوالم بلزاك، وشخوص شكسبير، وخيال شاتوبريان. هي القصة التي يحل بها الأدب العربي محله العالمي، فليبشر أبناء الضاد فقد صار لهم أديب مسكوني.
Unknown page