أزعجت أخبار حاملة الجرة أم سعيد، فرقصت شفتاها الضخمتان رقصة هينة، وغل
4
الخبر يديها، فأمست لا تدري ماذا تعمل، تبدأ بعمل ثم تتركه، وظلت كذلك أكثر من ساعة. وأخيرا تذكرت أن الظهر قد قرب وأن زوجها سيعود ليتغدى، هو لجوج لا يرضى بغير الطبيخ أكلا، وخصوصا الضخم منه، شعاره: لا يحمل الركب غير البطن. فوضعت القدر على النار وشرعت تنقي العدس، ولكن أخبار جارتها ظلت تشغل عقلها، وبينا هي شاردة الذهن إذا بجارة أخرى تمر، فصاحت بها أم سعيد بعد رد الصباح: تفضلي!
فتفضلت، ونشر بساط البحث. كان الموضوع ابن الجيران العائد من بيروت، فأقلق القرية الهادئة. وطال الحديث، فنصب ميزان الدينونة. استعرضت المرأتان بيوت الضيعة واحدا واحدا، ثم قر رأيهما على أنها حالة لا تطاق: الكبار راحوا إلى أميركا، والصغار سينزحون إلى بيروت، ولمن تبقى الأرزاق والبيوت؟
وتنحنح أبو سعيد وسعل، ففرت الجارة من الباب الغربي، ودخل هو من الباب الآخر يشخر وينخر، وقبل أن يصبح ابتدرته أم سعيد بيعطيك العافية.
فرد من رأس شفتيه، وتنهد، وقعد فملأ الحصيرة، قال: الحمد لله. فردت أم سعيد كالعادة: كل ساعة. وبعد أن شرب دورق
5
ماء مسح شاربيه بيده، وأومأ مستفهما من زوجته عن تعبيسها، فقالت: اسكت يا رجل، أخبار بشعة جدا.
فقهقه أبو سعيد وقال: بحياتك، قولي لي، متى كانت أخبارك مليحة؟ قلت لك ألف مرة: لا تحملي السلم بالعرض، وصي على غير هذا الوجه يا أم سعيد.
فامتعضت، ولكنها لم تجبه على تهكمه لئلا يقوم القرد.
Unknown page