حجارة الضيعة
لا! يا بونا
ميلاد
مغرور
قاطع طريق
من مشاكل القرية
المسيح حقا قام!
أبو الغنباز
حديث خرافة
ابن عزرائيل
Unknown page
هيكل
إبراهيم القصصي
السلالم!
حزبية بلهاء
مرفع!
مرشد الأخوية!
مأتم قروي
حظ ونصيب!
السلامة غنيمة!
حردان
Unknown page
دكان الضيعة
الناطور
الجنون فنون
على باب الله!
حجارة الضيعة
لا! يا بونا
ميلاد
مغرور
قاطع طريق
من مشاكل القرية
Unknown page
المسيح حقا قام!
أبو الغنباز
حديث خرافة
ابن عزرائيل
هيكل
إبراهيم القصصي
السلالم!
حزبية بلهاء
مرفع!
مرشد الأخوية!
Unknown page
مأتم قروي
حظ ونصيب!
السلامة غنيمة!
حردان
دكان الضيعة
الناطور
الجنون فنون
على باب الله!
أقزام جبابرة
أقزام جبابرة
Unknown page
تأليف
مارون عبود
حجارة الضيعة
أبو نعوم فات التسعين بضع خطوات وظل يروح ويجيء. لم تهرهر
1
التسعون جدران بنيته الشامخة. هيكل ضخم، أحكم بنيانه مناخ قريته الجبلية، فكأنما استعيرت مواده من صخور ضيعته السمراء. حاجبان ثقيلان، ورأس مدور أسمر، نحاسي، خربش
2
الزمن حول أنفه الأفطس خطوطا مزرقة كأنها الزنجار.
3
ما شان
Unknown page
4
ذلك الوجه الصلب في شيخوخة أبي نعوم المباركة إلا رمد ربيعي اجتمع أشده في السبعين، فصارت حدقتاه كعيني الوروار. وفي الثمانين ارتخى جفناه فانقلبا ظهرا لبطن. أما عقله وجميع حواسه فما أخذت منها الأيام شيئا، عقل ابن ثلاثين لولا أنه يحدث نفسه بصوت عال.
يقعد على صفة
5
قرب حائط الكنيسة يتشمس. إن شرقت الشمس شرق معها، وإن غربت غرب، ومتى غابت يغيب في فراشه. وفي هذه الجلسات قلما يسكت، يهرف
6
مراجعا ذكرياته، لم يتعلم ليكتبها ويحصى بين المؤلفين؛ لذلك كان يحدث بها نفسه إلقاء وإيماء كأنه يكرر دورا تمثيليا ليجيد إخراجه على المسرح، وأن الليلة ليلة تمثيل الرواية.
تجري على لسانه أقوال حكيمة لو قالها في الأربعين والخمسين لأحصي مع الحكماء الكبار، ولكن الشيخوخة متهمة،
7
وإن قالت من الأقوال أثقبها. لو نطق في الأمس بما يقوله اليوم لأحصي مع أبي فلان وفلان وفلان، حكماء الضيعة السعيدي الذكر ...
Unknown page
يقع رف
8
دوري على سنديانة الكنيسة فيتهلل أبو نعوم للغط
9
تلك العصافير وثرثرتها. قد تزرق أحيانا عليه فيمسح صديريته باسما، ولا يتقزز منها فكأنها من حفدته، وإذا غرد الحسون رجح رأسه لتلك الموسيقى التي ألفها، وإذا رأى السنونو تباشر ولوى كتفه كأنه يرمي عنها شباط الثقيل، وعلل نفسه بالعيش إلى العام المقبل، ثم يلج في تحديث نفسه بنبرات عنيفة تارة، وخفوت طورا.
وفي يوم من أيام نيسان البسامة قعد أبو نعوم على حائط قبالة الكنيسة، لم يستطع استقبال الشمس بعينيه المتهدلتين
10
فولاها ظهره، ثم أوغل في ذكرياته وعلا صوته بسردها: حجارة مخرشبة،
11
ولكني أراها مثل البدور، كل ثقب من ثقوبها بوز
Unknown page
12
يحكي وعين تنظر. ما أجمل حديثها وأحلاه! كأنها تقول لي: «أبو نعوم، أهلا وسهلا، مرحبا يا عشير الصبا، مرحبا يا ابني الصغير، أنا ربيت جد جد جدك، تحت جناحي تخبا في الضيقات والشدائد، وفي حضني كان يحدث ربه بكل هدوء وخشوع، وتحت أرجل منبر اعترافي طرح خطاياه فخرج من بركة التوبة أبيض مثل الثلج. ضمن هذه الحيطان تبارك إكليل جدك الأعلى منذ أجيال، وأنت واحدة من ثمرات بركتي، وها هم ناموا حولي جميعا، وها أنا أرعى قبورهم كحارس لا ينام، وناطور لا يغفل.
قم يا ابني، قم قبل خد بابي الأملس، قبله لتحس شفتاك طعم شفاه أجدادك الأقدمين، إن شفاههم الصلبة قد نعمت هذا الخد فصار مثل الحرير».
وتحلحل أبو نعوم رويدا رويدا، ثم نهض ومشى مشية المقيد، وقال بصوت عال: أمرك يا عيوني!
وتقدم من خد الباب فقبله وقال: هه! هذي بوسة ثانية، وهذي ثالثة. والتفت بجدار الكنيسة كأنه يسأله: أبوس بعد؟ ... ثم ترامى على خد الباب وقبله قبلات لا تحصى، وقفل راجعا. رأى جرنا في ساحة الكنيسة فوقف عليه وقال: هذا جرن الشباب، هذا أيضا يقول لي: تذكر، يا بو نعوم، يوم كنت شيخ الشباب، يوم كنت تلعب بهذا الجرن
13
لعبا، كنت تقيمه فوق رأسك خمس مرات حتى إذا انتهيت رفعوك على الأيدي.
واقترب من الجرن، وبعد ألف جهد استطاع تحريكه، فهز رأسه وقال: هاتيك أيام وهذي قبالها.
وما استقر حيث كان حتى رأى دودة سارحة على طرف عباءته، فقال لها: هه! من قبر من طلعت؟ ومن جثة من تغذيت؟ على مهلك، لا تخافي، على كل حال أنت منا وفينا، أنت بنت ضيعتنا.
وفي الغد دق قداس الأحد فكان أبو نعوم أول الملبين، قعد يتشمس في مكانه منتظرا ابتداء القداس، جلس وحده، ولكن واحدا تعود أن يدون أخباره في دفتر لتظل تاريخا للضيعة، قعد حده فطفق يروي له ما شاهد وما سمع من أخبار أمراء لبنان من فخر الدين وآل سيفا إلى المير يوسف والمير بشير الجالس سعيدا على كرسي إمارة الجبل.
Unknown page
وأقبل شاب غريب في يده طبر،
14
وتحت زناره من وراء خنجر جزيني، ملثم بكوفية شامية مفتلة الهداب.
15
شاب معتد بنفسه يعرف شابا وأكثر من الضيعة، فسلموا عليه واحتفوا به.
سأل أبو نعوم الشاب القاعد حده: من أين هذا الشب؟ فأجابه الفتى: غريب.
فقال: أهلا وسهلا، من رأس شفتيه.
وابتدأ القداس فدخلوا الكنيسة جميعا، وكان آخرهم أبو نعوم، فقبع في مكانه المحفوظ حد العضادة
16
بجنب الباب. رأى، وهو داخل، الطبر معلقا بمفتاح الباب فهز رأسه وعبس.
Unknown page
وانتهى القداس فكان أبو نعوم أول الخارجين، وأخذ الطبر وقعد على الصفة، فأقبل الشاب مسلما على الشيخ، وقال له: أعجبك الطبر يا جدي؟
فأمسكه أبو نعوم بيده المرتجفة وقال له: عندنا مثله كثير يا ابني، تعلم في المستقبل ألا تعلق طبرك بمفتاح باب الكنيسة، هذا خرق لحرمة الضيعة، أخذته فكة مشكل، وإلا كان وقع الشر. يا أولاد، هذا من جيراننا وضيفنا، قوموا بواجبه. هذا طبرك يا شب، ثاني مرة خذ حذرك.
وذهب الناس إلى بيوتهم، وراح الشاب مع أصحابه.
وأحب أبو نعوم أن يتمشى في ذلك اليوم المشمس، كان يجد لذة في النظر إلى حجارة الضيعة ويطلق عليها لقب الأصحاب. كان ينفر من الحيطان المرممة، ويأسف لأنها تغيرت عن عهده.
وبلغ في نزهته برج الضيعة القديم، فرأى أن حجارة منه قد أخذت فثار وهاج. خبروه أن بطرس - وجيه الضيعة - احتاج إليها ليكمل مدماكا في بيته الجديد، فأخذ يرغي ويزبد كأنما قتل أحد أولاده: لا كبير ولا صغير، هذه حجارة عاشرت جدودنا وأفضلت عليهم وحمتهم، لولاها ما بقى منها المماليك من يخبر، فبدلا من أن نبني البرج نهدمه؟ يا خيبتنا تجاه الأجداد!
ومضى يعدد مآثر تلك الحجارة التي اقتلعت من مكانها كأنه يرثي ولدا له مات في عز شبابه: حجارة دهرية تخبر عن تاريخ جدودنا وأعمالهم، هي وحدها تربطنا بضيعتنا وبلادنا، أنطمع بها وننقلها من وطنها؟ أؤكد لكم أنها توجعت، والله العظيم إنها حزنت لما فارقت أخواتها بعدما عاشت معهم مئات السنين. قولوا للشيخ يردها مثلما كانت، وإلا فإنها تنتقم منه ومن الضيعة.
وقعد على حائط البرج يبكي، ثم تناسى المصيبة فطفق يحدث نفسه بصوت عال: «هذا البرج حمى الضيعة مرات، هذا أخو الكنيسة في الساعات السود، كيف يأخذ منه واحد حجرا، وفي الضيعة حجارة مرمية على الطرقات، والمقلع على رمية حجر من بيته؟ أي معنى يبقى للضيعة إذا راح البرج؟ في كل حجر من حجاره وجه جد من جدودي. آه، كلما تغير حيط من حيطان الضيعة أحس كأني فارقت واحدا من عشرائي!» «يا مرين، يا مرين، هاتي لي أتغدا يا جدي.»
ولما تيقن أنها سمعت قال لنفسه: أريد أن آكل بين أصحابي وأحبائي.
ثم أخذ يمر يده بحنو على وجه حجر أمثل في البرج كأنه يداعب جدا محبوبا، وألقى نظرة على الجبال القائمة حوله، فخال أنه أحاط نظرا بالمسكونة كلها، فقال: ما أجملك يا بلادنا وما أحلاك!
وسأل نفسه كعادته: قولتكم هاتيك الدني حلوة مثل هذي الدني. من يدريك؟ سلمها ربانية يا بو نعوم.
Unknown page
وفيما هو في هذه النجوى، جاء بضعة كهول ليقفوا على رأيه، الطاعون تفشى في البلاد وظهر في القرى المجاورة فماذا يعملون؟
فصلب أبو نعوم يده على وجهه وقال: الله يرد البلية عن الضيعة، زنروا الكنيسة.
فاستغربوا كلمته، فأفهمهم كيف، فطافوا على بيوت الضيعة واحدا واحدا، وعاد أبو نعوم بعدما تغدى إلى مجلسه على الصفة عند الكنيسة.
وجاءوا بالحوائج التي يعملون منها زنارا: من هنا ملاءة، ومن هناك كوفية، ومن عند هذا ملحفة، وجمعوا كثيرا من الحرير غير المفصل والمخيط من حياكة نساء الضيعة وبناتها.
وحل أبو نعوم كمره عن وسطه ودفعه إليهم، فقالوا له: تعطينا زنارك؟! اتركه، أخذنا من بيتك.
فصاح بهم: خذوا بدني أيضا، بدني من ضيعتي ولها.
وبعد تزنير الكنيسة أمر أبو نعوم أن يحرسوا مدخل القرية، ويمنعوا الغرباء من دخولها.
ولما أمنوا شر الطاعون فكوا الزنار، فكان على من يريد استرجاع حاجته أن يدفع فكاكا، وإذا تركت تباع بالمزاد وثمنها للكنيسة.
وردوا على الشيخ كمره، فقال لهم: فكاكه فيه، نذرته دفع بلاء عن الضيعة.
كان في كمره خمس ذهبات ادخرها ليومه الأسود، ولكن الضيعة وفته حقه حين مات، فجهزوه من مال الوقف، ودفنوه في الكنيسة تقديرا لإخلاصه.
Unknown page
لا! يا بونا
السنبلة تعطيك صورة ست الإخوة، فهي مثلها استواء قامة وانحناء رأس، تزدحم في وجهها المعاني الطريفة: فالعينان كالماويتين
1
تجول فيهما عذوبة مرحة، وتستقر في أعماقها أحلام قصية، والأنف كأنه أصبع الإرادة العنيفة يملي ولا محيص،
2
ولولا ما في فمها وعينيها من وداعة، لكانت أصدق تمثال للعناد، في خديها نونتان
3
تتحدثان عن أنوثتها المثالية كلما ابتسمت، ذات منطق فعال، يوقظ ما في صوتها من غنة
4
كوامن النفس، وإذا صمتت انبرى جمالها يصدق قول الحكماء: السكوت من ذهب.
Unknown page
سموها ست الإخوة لأنها أخت سبعة، كان لها عمة تدللها وترعاها بمقامهم جميعا، وكلما خطرت أمامها رافقتها بنظرة كلها محبة وقالت: سبحان الخالق، كأنها أنا!
وبلغت ست الإخوة أجلها فتهافت الشباب عليها، وقعد لهم ذوو قرابتها بالمرصاد، فقد جرت العادة على أن يكون أمر البنت شورى بينهم ... تألب عليها بنو عمها، وإخوتها، وأعمامها، وأخوالها، وأمها العنيدة، حتى والدها المفلوج؛ ليزوجوها شابا دميما،
5
ولكنه منسوب العم والخال، كثير المال ... كان لكل منهم مأرب إلا أمها التي ذاقت طعم القلة فتمنت البحبوحة لبنتها، بعدما علمها الدهر أن الحب ماض والثروة باقية.
وبعد طوفان من النصائح الثمينة، قالت الأم لبنتها تسهيلا لأمر هذا الزواج، وفكا لهذه المشكلة: عودي نفسك عليه.
فضحكت ست الإخوة وقالت: أهو أكلة يا أمي؟
فأجابتها: أي نعم، كل شيء عادة.
وجربت ذلك ست الإخوة فوجدت مرشح أهلها قريبا أكره منه بعيدا.
أما عمتها التي تحبها فكانت تنفض طوقها كلما استشارتها وتجيبها: أنت حرة، من يغصبك عليه؟!
ولما أطبقت الكماشة فكيها على ست الإخوة كانت تقف عمتها ست البيت حيالها، وتهم بالكلام ثم تنثني، وكثيرا ما كانت تدنو منها فتضع يدها على كتفها، وترفع حاجبيها وتكاد تنطق، ثم تعدل ولا تقول شيئا. وإذا كانت ست الإخوة قاعدة وضعت عمتها يديها على خصرها وانحنت نحوها، ثم تستوي ولا تقول شيئا.
Unknown page
فقالت لها ست الإخوة يوما: احكي يا عمتي، لا تبلعي كلامك. ولكن العمة انقلبت وهي تقول: ماش،
6
ماش.
فقالت البنت لنفسها: حيرتني عمتي يا بشر!
وتذكرت يوما كلمة كان يرددها أبوها كلما اغتاظ من عمتها: قصتها لا تنتهي إلا في القبر. فراحت تبحث عن تلك القصة.
إن المعضلات
7
كالأنشوطة،
8
فبينا تراها معقدة إذا بها تنحل بغتة. فقالت ست الإخوة: عمتي! عملت أحسن عمل واسترحت من هموم الدني.
Unknown page
فتجهم وجه العمة وقالت: هذي إرادة الله فيه، تعب ساعة ولا كل ساعة، الله ساعد.
فاستنجدت ست الإخوة بما عندها من دلال وغنج وقالت لعمتها: الله، الله قال لك: ابقي عزبة يا عمتي!
فضحكت ست البيت وقالت: ليتك تقبريني ما أحلاك! ذكرتني أيام عزي. لا يا حبيبتي، الله ما قال لي لا تتزوجي، ولكن الناس. كل البلاء من الناس. - لا تضحكي علي ... كيف؟ بحياتك فهميني، الفخ منصوب قدامي.
فسكتت العمة وحدقت إلى بنت أخيها، فكادت أسرارها تنهض من أثلام وجهها، وفتحت فمها لتقول شيئا، ولكنها أطبقته، فغمرتها البنت بالقبل، فأبعدتها عنها بلطف، وقالت لها وعيناها تتغرغران بالدموع: قومي، روحي نزور القربان
9
ونرجع.
وهناك في ظل الكنيسة العتيقة التي كانت هيكلا لأدونيس منذ ألفي سنة، وقفت ست البيت واتسعت حدقتاها فبدت كنبي يوحى إليه، فضربت كفها على خد باب الهيكل وقالت بلهجة جندي يتحدث عن معركة ربحها هو: «لو كان لهذا الحيط لسان حكي وشهد! قصتي قصة عظيمة يا بنتي، كل من عرفوها صاروا في ديار البلى،
10
ما بقي منهم إلا واحد لا غير، هو أبوك. قصتي مثل قصتك تماما يا حبيبتي.
سمعت قول المثل: «عروس في الإكليل لا تعرف لمن تصير»؟ أنا صدقته بالفعل. اسمعي الخبر: كنت أحبه من كل قلبي، صدقيني إذا قلت لك: حبه معشش في عظامي. شب مثل السبع، طلعة أسد، ولفتة نمر، ما خلوني آخذه، قطعوا «التحليلة»
Unknown page
11
ليزوجوني غيره، وعينوا الوقت يوم الخميس في جمعة المرفع.
12
تواجهنا قبل الإكليل بيوم، فضربت صدري وقلت له: أنا لك.
فتعجب المسكين وقال: والتحليلة؟!
فقلت: لها حلة.
وقعدنا نتفق على خطة ... فجن المسكين، وسقط على يدي، فقلت له: اقعد بعيدا، ما لك حق. وحق القربان الطاهر، ما سمحت له ببوس ذيل فسطان عمتك.»
فقالت ست الإخوة: بحياتك يا عمتي، سمي لي إياه.
فضحكت وقالت: اسمه مثل اسم صاحبك: مخايل.
فشهقت ست الإخوة وضربت كفيها على ركبتيها، فقالت العمة: اسمعي، اتفقنا على خطة ما عملتها مرأة قبل عمتك الحقيرة بعيونكم. - لا يا عمتي، حاشا قدرك.
Unknown page
13 - بلى يا عيون عمتك، كل ابن عصر يستصغر من كان قبله.
وسكتت ست البيت هينهة حسبتها بنت أخيها ساعة، وتعلقت عيناها بوجه عمتها فتصورتها بنت ثلاثين، انبثق في وجهها نور جديد كان أشد وضوحا في عينيها، لم تشأ البنت أن تقطع صمت عمتها.
كانت ست البيت مكركمة
14
في ثيابها ككل عجوز في شباط، ولكن ست الإخوة خالتها غصن بان، ولما لم تستطع صبرا قالت لها: وماذا صار يا عمتي؟
فهمهمت
15
العجوز، ثم تنهدت وقالت: برزوا
16
عمتك برزة ما لها مثيل، وعمتك كانت ست زمانها، وطلعنا من البيت بين حداء
Unknown page
17
الشباب، وزغاريد
18
النساء، ووقفنا في صحن الكنيسة، جماهير، كانت الكنيسة محشوة مثل الرمانة، وبدأ الخوري يكلل، وتعجب الناس من وجود مخايل فشكروه.
وقرأ الشماس «الرسائل»:
19
يا أيتها النساء، اخضعن لأزواجكن كما لربنا؛ لأن الرجل رأس المرأة؛ فاصفر وجه مخايل، فغمزته فاشتد حيله.
20
وتابع الشماس: لأن الرجل رأس المرأة، كما أن المسيح رأس الكنيسة، وكما أن الكنيسة تخضع للمسيح، هكذا فلتخضع النساء لأزواجهن في كل شيء.
وبعد «البولص»
Unknown page
21
قرأ الخوري الإنجيل: «ذكرا وأنثى خلقهما، لأجل ذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته، ويكونان كلاهما جسدا واحدا، فما جمعه الله لا يفرقه الإنسان.»
وأخذ الخوري يوجه إلي النصائح، فقال كما سمعت عدة مرات في الإكليل: وأنت أيتها العروس المباركة قد سمعت ما قلته لزوجك.
فصار مخايل يخضر ويصفر ويزرق مثل جمل اليهود،
22
فغمزته فتنشط. وأتم الخوري: فالوصية لكما معا، فعليك أن تكوني خاضعة لزوجك كما للرب، ومطيعة له في كل شيء ما عدا الخطية. قدمي له كل كرامة ومحبة، واخدميه في جميع لوازمه. كوني وديعة، فاضلة، عفيفة، حسنة الأخلاق كالنساء التقيات، فالمرأة العاقلة خير من الجوهرة الثمينة.
فضحكت البنت حين سمعت عمتها تروي كل ما جاء في رتبة
23
تكليل العرسان عن ظهر قلب، وقالت لعمتها: حفظت كل هذا! الخوري العتيق بالكد يعرفه.
فأعجب العمة هذا الثناء وقالت لبنت أخيها: عمتك بنت أخوية، كانت ريسة، لا أحد غيرها من بنات الضيعة كان يقرأ ويكتب، صوت حلو، وتلحين ملائكي يسكت الخوري والشمامسة.
Unknown page