ومر يومان، وكان محمود يغادر باب منزله، حين دوى في أذنيه صوت يكرهه؛ كان صوت أحمد أفندي يناديه.
وأدار رأسه فوجده يغادر عتبة الباب المقابل لمنزله.
وقال أحمد أفندي، وقد تهدج صوته من الورع: أتسكن هنا يا ابني؟
وأجاب محمود ذاهلا: أجل، منذ أيام! - أنتم إذن الذين زارتكم زوجتي؟ - أظن ذلك، حضرتكم تقطنون؟ - أمامكم في هذه الشقة.
وسارا معا في الطريق، كان محمود غارقا في أفكاره، كان ذهنه يمضي بعيدا إلى حديقة الحيوان، الطائر الزاهي الألوان، والرجل الزاهي الألوان، لقد قال أخوه عن هذا الرجل: إنه ببغاء من نوع آخر، إنه كان زاهيا تصطرع على ثيابه الألوان حقا، لكن من الداخل ماذا كان هناك يا ترى؟
وعاد إلى أحمد أفندي، عاد إلى الرجل الزاهي، الذي يعرفه الجميع ويتحدث عنه الجميع، عادت إلى ذهنه صورة زبيبة الصلاة، الفزعة الرهيبة لدعاء الصلاة ساعة الظهر، المسابح الكهرمان، الحج، ثم هذه الآيات التي تنشرها شفتاه في كل مناسبة، لقد كان عقله كاذبا وكان قلبه صادقا، لقد كان أحمد أفندي ببغاء من نوع آخر.
سقطت على الصخور
- تعالي معي، لا تخافي، إنني أعرف أماكن الصخور، وهذه المنطقة ملأى بها، إن قدمي ستحملاننا سويا، سأحملك بين يدي حتى نعبر تلك المنطقة الوعرة، وإذ ذاك ينطلق البحر أمامنا هادئا ضحلا ناعما كبساط من الحرير، تعالي، مم تخجلين؟ ألسنا صديقين، وأخوين، و...؟
ودل احمرار وجهها على أنها فهمت، فهمت بغير عقلها ما قاله بغير لسانه، لكنها مع ذلك لم تقتنع، لقد مدت يدها، يدها فقط، وآثرت أن تمضي على الصخور بقدميها، وأحست وهما يخوضان الماء بدفء يده، فرفعت رأسها لترى وجهه، فلحظت وجومه، فقالت وهي تتضاحك: أكنت تريد أن تحملني بين يديك، ماذا يقول الناس؟ - ماذا يقولون؟ عاشق يحمل هواه! - وهذا ما لا أريده الآن، ثم من أدراني؟ ربما تعب ساعداك، تخيلني وقد سقطت من بين يديك على الصخور! - وما فائدة ساعدي إذا عجزا عن حملك؟ ثم ماذا يضيرك إن قال الناس إننا عاشقان؟ - لا شيء يضيرني! لكن، هذه الكلمة، عاشقين!
إنها شريفة على الورق فقط، إن صورتها في أذهان الناس غير ذلك، إن أذهانهم لا تفهم وضعا شريفا لرجل وامرأة غير متزوجين.
Unknown page