إنها زوجة. ذلك ما خاطبه به عقل الطبيب كل يوم بعد ذلك اليوم، وذلك ما استكان له قلب الشاب العاشق في كل مرة، حتى كان أمس، حين اجتمع مع زميلين من زملائه حول فراشها، ودرسوا حالها في عناية، وانتهوا إلى رأي خطير!
إنها لن تعيش غير شهر واحد، على أكثر تقدير.
عندئذ تنبه قلب الشاب العاشق في حناياه على حقيقة مروعة؛ لقد خرجت من زمام زوجها إلى يد القدر، وهو لا يملك فيها شيئا بعد اليوم، إن الأيام القليلة الباقية ملكها وحدها، وليس لغيرها أن يشاركها فيها، هكذا حدثه قلب الشاب العاشق منذ الأمس!
وعبثا حاول عقل الطبيب أن يرده، وعندما دخل اليوم عند الغروب إلى حجرتها، كانت عيناها مقفلتين ومع ذلك فقد خيل إليه أنه يرى هاتين العينين، يراهما ويحس نداءهما الذي لم ينقطع طيلة أربعة شهور، وسار على أطراف قدميه حتى حاذى فراشها، ومال برأسه حتى أحس حرارة أنفاسها، ثم ... ثم راجعته نفسه، وتحرك نحو النافذة فجذب أستارها، وأراد أن يعود من حيث أتى، فسمع نداءها وسقاها.
وفشلت جهوده في أن يقرأ سطرا واحدا من كتاب، ودقت التاسعة، وسكت كل شيء في المستشفى، ونطق قلب الشاب العاشق في صدره بكلام رهيب.
وتحرك مرة أخرى تاركا حجرته وسار نحو حجرتها.
كانت الممرضة تهرول خارجة، وقد علاها الذهول، وجمد في مكانه مصعوقا، ورأته الممرضة فاتجهت نحوه، ولم ينتظر ليسمع ما تقول، بل صاح بها في فزع: ماذا حدث؟
وترددت الممرضة، وحاولت أن تتمالك نفسها، ثم قالت في اضطراب: لا شيء! إنها تهذي! منذ نصف ساعة بدأت تتكلم وهي نائمة، تكلمت عن زوجها أولا، ثم ... جعلت تشكرك على عنايتك، ثم تطرقت إلى الحديث عنك، سألتك أكثر من مرة لماذا تتركها وحيدة و...
إنه لم يع شيئا مما قالت بعد ذلك. كان يسير ببطء إلى باب غرفتها، وعندما فتح الباب، وصار أمام فراشها تلفت حوله.
كانت الممرضة قد غادرته عند الباب، وأصبح وحيدا أمامها، مد يده نحوها، وأمسك يدها بكلتا يديه، ومال ليلثم اليد الذابلة، واقتربت شفتاه فترامى إلى أذنيه همس ضعيف، فرفع رأسه إلى وجهها فتملكه الخجل!
Unknown page