وأجاب في سرور: حلوان؟ لقد محيت من الخريطة منذ الأمس! أنا الآن في الفردوس! فردوس يحده من ناحية شاطئ النيل، ومن الناحية الأخرى شارع قصر العيني، إنه الشارع المقفر الكئيب أمس الأول، قد أصبح منذ الأمس جنة الكون!
وقاطعه صديقه قائلا: يا سلام! أهكذا يفعل الحب؟ - وأكثر من ذلك! ألم يبرئ المريضة ويحيي قلبين؟
وكان صادقا!
كان فردوسه الشارع الهادئ في جاردن سيتي؛ حيث تفطن، وحيث كان يخلو وإياها في رياضة قصيرة عصر كل يوم، فلا يحسان غير وقع أقدامهما. وكان فردوسه شرفة المنزل؛ حيث يجلس وإياها بعد رياضتهما الساذجة ساعات يطلان على شجرة واحدة، شجرة واحدة لعل بذرتها سقطت ذات يوم عفوا من زارع الأشجار!
شجرة واحدة كانت كل ما في الشارع من حياة وخضرة، وكانت في نظره أجمل فردوس في الوجود، فردوس كامل تعطره الأزهار ويذخر بالأطيار!
لم يمل يوما هذا المنظر الرتيب، وكان يقول لها: لو يمضي العمر كله على هذا المنوال يا منيرة! أنا وأنت وهذا المنظر الجميل!
وكانت تجيبه ضاحكة: ألا تمل هذا التكرار؟ - أنا؟! أنا أمل؟! أمل النعيم؟! فيم أطمع وأنت معي؟!
إن الحياة لا تحتاج لبهاء غير ما ينعكس من وجهك على صفحاتها؛ هكذا هي في عيني.
وتدوي ضحكتها وهي تنظر في حنان قائلة: شاعر!
إنه ليسأل نفسه الآن: هل كانت نظرتها حنانا أم سخرية؟ ويسأل نفسه مرة أخرى: أكانت تعني كلمة شاعر في نظرها إنسانا مرهف الحس رقيق الشعور؟ أم معتوها ساذجا، جديرا بالرثاء؟
Unknown page