Aqbat Wa Muslimun
أقباط ومسلمون: منذ الفتح العربي إلى عام ١٩٢٢م
Genres
لما توغل العرب في الأراضي المصرية، كان الأقباط يجهلون كل شيء عن نواياهم، فلا يعلمون إذا كان العرب سيرغمونهم على اعتناق الإسلام، أو سيصادرون أملاكهم، أو سيحتفظون بنظام الضرائب البيزنطي، وظلت هذه المسائل محل استفهام الأقباط، فلم يدركوا أغراض العرب إلا في أثناء حصار حصن بابليون؛ أي: عندما أثيرت مسألة الهدنة بين المتحاربين، وأدرك الأقباط حينئذ أن الحاكم العربي أكثر تسامحا من الحاكم الفارسي أو الحاكم البيزنطي؛ إذ خيرهم بين حلول ثلاثة: إما اعتناق الديانة الإسلامية والامتناع عن دفع الضرائب، وإما قبول الحماية الإسلامية مع دفع دينارين عن كل رجل يصلح للقتال، وإما استئناف القتال وقبول ما يترتب عليه من نتائج.
زد على ذلك أن العرب لم يحاولوا قط أن يطمئنوا الشعب المصري على نواياهم؛ إذ كانوا يجهلون اللغتين اليونانية والقبطية، كما لم يحيطوا أعمالهم الحربية بأية دعاية، ومع أنهم قاتلوا - على عكس الفرس - بشيء من الرفق، ولم يقوموا بأعمال تخريبية منظمة أو بإراقة دماء الشعب، إلا أنهم تمادوا مضطرين في بعض الأحيان في اقتراف أعمال مشينة وحركات قمع دامية مما لم يساعدهم على كسب ثقة الشعب وعطفه عليهم.
وقد اهتم الأسقف حنا النقيوسي - وهو المصدر الوحيد المعاصر للحملة - بالشكوى من هذا التمادي أكثر من ذكر الأعمال التي تشرف الفاتح، فيطلعنا في تاريخه عن سيئات الفتح، ولم نستطع مع الأسف أن نتحقق في صحة أقواله؛ لأن المؤرخين العرب لم يتحصلوا، عندما كتبوا مؤلفاتهم، على جميع تفاصيل المعارك، ويقول مثلا حنا النقيوسي: «إن عمرا أمر بإلقاء القبض على القضاة الرومان وتكبيل أيديهم وأقدامهم بسلاسل حديدية وأتوار خشبية، واغتصب الأموال وضاعف الضرائب المفروضة على الفلاحين، وكان يضطرهم أن يحضروا علف الخيل كما أنه اقترف كثيرا من أعمال العنف.».
46
وقد يكون حماس المسلمين الديني سببا في ارتكاب بعض الأعمال العنيفة، فيقول حنا النقيوسي أيضا: «إنه عندما يدخل المسلمون المدن، ومعهم المصريون الذين ارتدوا عن المسيحية، كانوا يستولون على أملاك المسيحيين الفارين ويسمون خدام المسيح أعداء الله.».
وعلى كل، لم يستطع الأقباط أن يستقبلوا العرب كمحررين؛ ذلك لأن الغزاة كانوا يدينون بديانة أخرى، حقا، لقد حرر العرب اليعقوبيين من نير البيزنطيين، ولكن لم يكن هؤلاء اليعقوبيون يرتاحون إلى حكام آخرين عقيدتهم تخالف العقيدة المسيحية.
وإننا لو درسنا سلوك الأقباط في مختلف أدوار المعركة، لاستطعنا أن نلقي ضوءا على موقفهم، ولكن يجدر بنا، قبل ذلك، أن نذكر شيئا عن شخصية المقوقس الغامضة. (3-4) صعوبة تحقيق شخصية المقوقس
إن الشخص الذي يطلق عليه مؤرخو العرب اسم المقوقس، لم يزل غامضا هل كان قبطيا؟ هل كان من أصل يوناني؟ هل المقوقس الذي سلم القاهرة، هو نفسه الذي أبرم اتفاقية الإسكندرية؟ لم يصل المستشرقون، بعد بحث وتنقيب خلال قرن أو أكثر، إلى جواب دقيق على هذه الأسئلة. نعم، إننا اليوم أقرب إلى الحقيقة من أمثال «شامبليون فيجاك»
Figeac Champolion
47
Unknown page