Aqbat Wa Muslimun
أقباط ومسلمون: منذ الفتح العربي إلى عام ١٩٢٢م
Genres
35 (2-4) انحطاط روح البيزنطيين المعنوية
وهناك عامل آخر لم يذكره ماسبيرو، بل تركنا نستنبطه من سياق الكلام، ألا وهو انحطاط روح البيزنطيين المعنوية بعد انتصارات العرب على الفرس، فإذا سلمنا بما ورد في تاريخ ميخائيل السورى، لاحظنا أن هرقل بدلا من أن يعسكر في الأراضي المعرضة للخطر لينظم الدفاع عنها ويرفع روح جنوده المعنوية، يئس من النصر قبل أن يلتقي بالعدو على ساحة القتال، ولما رأى امتداد التخريب والدمار، رحل حزينا عن أنطاكيا قاصدا القسطنطينية، ويروى أن كلمة وداعه كانت: «ابق بسلام يا سوريا.»، ثم كتب إلى ما بين النهرين ومصر وأرمنيا وإلى جميع الرومان الموجودين فيها يحذرهم من أن يشتبكوا في معارك مع العرب وأن الذي يستطيع أن يحتفظ بوظيفته فليبقى هناك.
36
هل فهم البطريرك قيرس، محافظ الإسكندرية، من هذه الرسالة أن الأمر متروك لتقديره الشخصي فانتهز الفرصة ليتفاوض مع عمرو؟ هل عدل القائد العربي، في وقت من الأوقات، عن غزو مصر مقابل جزية قدرها مئتا ألف دينار يسددها المصريون سنويا؟ لا يجوز على كل حال أن نهمل هذا الافتراض، فقد وردت في تاريخ محبوب
37
تفاصيل كثيرة عن هذه المسألة، ويقول المؤلف - ونحن نسوق ما جاء فيه دون أن نتمكن من التحقق من صحته - إنه عندما أبرم الاتفاق، حكم قيرس البلاد بحزم مدة ثلاث سنوات لم تطأ فيها قدم عربي أرض مصر خلالها، غير أن عددا من أهالي مصر ذهب يشكو إلى الإمبراطور هرقل هذا البطريرك قائلا: إنه يأخذ مال المصريين ليعطيه للعرب، فأقال هرقل البطريرك وأقام القائد «مانويل» محله، ولما طالب العرب مانويل بالجزية، قال لهم: «لست بالأسقف قيرس الذي كان يعطيكم الذهب ليأمن من شركم، فهو راهب كرس حياته لخدمة الله، أما أنا فإني رجل نزال وحرب وشجاعة.»، ونستطيع تفسير إقالة قيرس بأن الإمبراطور قد عاوده حزمه مؤقتا ورغب في استئناف القتال.
وفعلا، شعر الفرس والبيزنطيون بهبوط روحهم المعنوية عندما سمعوا بانتصارات العرب الأولى، ويقص علينا ميخائيل السوري قصة تفسر لنا حالة تلك الشعوب عندما خاضوا غمار الحرب، فيقول: «كان أحد الأبطال، وهو يرتدي درعه وحاملا أسلحة كثيرة، يفر أمام عربي يلاحقه، وكان هذا العربي خاليا من السلاح ما عدا حربة كان يمسكها بيده، ومرتديا ملابسه الخفيفة، وما أن وصل الفارسي إلى قرية، حتى وجد رجلا في حقل فطلب إليه أن يدله على مكان يختبئ فيه حتى لا يراه مطارده، فأخفاه الرجل معتقدا أن عدد الذين كانوا يتبعونه كبير، وبعد فترة، وصل رجل ليس عليه ما يدل على أنه جندي، وكان يركب حصانه بطريقة تدل على أنه لم يتدرب على ركوب الخيل،
38
ودهش الفلاح، وازداد عجبه عندما رأى بساطة مظهر الرجل، وقال في نفسه: «كيف يفر مرتجفا، هذا الرجل ذو الجسم الضخم والمنظر المخيف والذي يرتدي درعا ويحمل أسلحة مختلفة، أمام رجل نحيف؟» وقد اغتاظ الفلاح من هذا المنظر وأخذ يضحك من الفارسي ويسخر من فراره واختبائه من العربي، وقد أجابه الفارسي: «لا تلومني علي مسلكي ولكن انتظر وأصغ بعينيك لتصدق.»، ثم أخذ سهما وصوبه بقوسه إلى مجرفة حديدية فاخترقها وقال: «لقد صوبت نحو العربي الذي رأيته مثل هذه الضربة عدة مرات، ولكنه كان يبعد عنه السهام بيديه كما لو كان يطرد الذباب عنه، ومن هنا تأكدت أن الله هو الذي منحهم النصر، وما كان مني بعد ذلك إلا أن أدرت ظهري ولذت بالفرار.».
39 (3) موقف الأقباط (3-1) مرشدو العرب من اليهود
Unknown page