Anzar Sadida
الأنظار السديدة في الفوائد المفيدة
Genres
وأما كوننا الموجدين لها أم الباري تعالى هو الموجد للداعي إليها، والموجد لها مطابقة له، فذلك يقبل التشكيك، فلذلك افتقر إلى أدنى تأمل، كما أن بعض الضروريات يحتاج إلى مراجعة النفس والفكر اليسير، لكن العلم الحاصل بعد التأمل ضروري؛ لأنه ليس متولدا عن دليل ومقدمات بعضها لا يعلم إلا دلالة؛ لأنا إذا تأملنا وجدنا من أنفسنا أنه كان يمكننا ترك ما قد وقع منا وإن لم نضطر إلى أنه وقع بحسب دواعينا، ولا ينازع في ذلك إلا سفسطي، لكن هذا لا ينفع في من قد سبق له اعتقاد شبهة.
الطريقة الثانية: طريق إلحاق التفصيل بالجملة، وبيان ذلك: أن العقلاء يعلمون ضرورة حسن الزجر عن القبيح، وقبح زجر الرجل عن طوله وسواده، ونعلم ضرورة أنه لا وجه لاستقباحه إلا لكونه مضطرا إليه لا يمكنه الانفكاك عنه، ويتفرع على هذه المقدمات مقدمتان هما:
أن كل ما اضطر إليه قبح التوبيخ عليه ضرورة، وأن في أفعالنا ما لا يقبح الزجر عنه كالظلم فيحصل من هذين العلمين علم ثالث، وهو أن في أفعالنا ما لا نضطر إليه، والخصم لا ينازع في كون العلم بالمقدمتين الأوليين ضروريا، وإن نازع في تفسير القبح وقال: إنه صفة نقص فمطلوبنا حاصل وإن نازع في أي المقدمتين فذلك سفسطة، وكذلك وإن نازع في كون وجه الاستقباح الاضطرار؛ لعلمنا ضرورة أنه هو العلة والمشكك في ذلك كالمشكك في المشاهدات أنها خيالات.
فإن قلت: فما هذا العلم الثالث؟ أضروري هو أم استدلالي؟.
Page 3