«وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول (1)».
واستدل البيهقي لذلك بما أخرجه الشيخان عن عائشة أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «أحيانا يأتني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي، فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول».
قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا (2).
فهذا الحديث ونحوه صريح في أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان ينتقل من حالته المعروفة إلى حالة تستلزم الاستغراق والغيبة عن الحالة الدنيوية، حتى ينتهي الوحي ويفارقه الملك.
قال السراج بن البلقيني: هي حالة يؤخذ فيها عن حال الدنيا من غير موت، فهو مقام برزخي يحصل له عند تلقي الوحي، ولما كان البرزخ العام ينكشف فيه للميت كثير من الأحوال، خص الله نبيه ببرزخ في الحياة يلقي الله فيه وحيه، المشتمل على كثير من الأسرار، وقد يقع لكثير من الصلحاء عند الغيبة بالنوم أو غيره، اطلاع على كثير من الأسرار، وذلك مستمد من المقام النبوي، ويشهد له حديث: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة (3)» انتهى.
ويشهد له حديث مجيء الملك بسورة (اقرأ) حيث قال: «فغطني حتى بلغ مني الجهد (4)»: أي بلغ الغط مني غاية وسعي.
ومنه الغط في الماء، وكأنه أراد ضمني وعصرني، أخرجه الشيخان.
Page 133