وقال في «نقش النصوص»: العالم المثالى هو عالم روحاني من جوهر نوراني، شبيه بالجوهر الجسماني في كونه محسوسا مقداريا، وبالجوهر المجرد العقلي في كونه نورانيا، وليس بجسم مركب مادي، ولا جوهر مجرد عقلي؛ لأنه برزخ وحد فاصل بينهما، وكل ما هو برزخ بين الشيئين لا بد وأن يكون غيرهما، بل له جهتان يشبه بكل منهما ما يناسب عالمه، إلا أن يقال: إنه جسم نوراني في غاية ما يكون من اللطافة، فيكون حدا فاصلا بين الجواهر المجردة اللطيفة وبين الجواهر الجسمانية المادية الكثيفة، وإن كان بعض من هذه الأجسام أيضا ألطف من بعض ، كالسماوات بالنسبة إلى غيرها، فليس بعالم عرضي كما زعم بعضهم؛ لزعمه أن الصور المثالية منفكة عن حقائقها، كما زعم في الصور العقلية، والحق أن الحقائق الجوهرية موجودة في كل من العوالم الروحانية والعقلية والخيالية، ولها صور بحسب عوالمها انتهى.
وقال آخرون: عوالم المثال عالم لطيف بالنسبة إلى الأجرام، كثيف بالنسبة إلى الأرواح، فهو برزخ بين عالمي المجردات والأجسام؛ لتجرده عن المواد، كالمجردات، وامتداده كامتداد الأجسام، غير قابل للفصل والوصل، مثل قبول هذه الأجسام.
وقال: هذه العبارات واحد، سمي بالعالم المثالي؛ لكون أول مثال صوري لما في الحضرة العلمية الإلهية من صور الأعيان والحقائق، ولكونه مشتملا على صور ما في العالم الجسماني من عرش وكرسي وسماوات وأرضين، وما في جميعها من الأملاك وغيرها، وليس هناك معنى من المعاني الممكنة، ولا روح من الأرواح إلا وله صورة مثالية مطابقة لما هو عليه؛ إذ لكل منها نصيب من الاسم الظاهر، وكل ما له وجود في العالم الحسي هو في العالم المثالى دون العكس.
ولذلك قال أرباب الشهود: إن العالم الحسي بالنسبة للعالم المثالي كحلقة ملقاة في بيداء، لا نهاية لها، والأصل في وجوده الكتاب والسنة والكشف الصحيح.
أما الكتاب: فقوله تعالى: فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا [مريم: 17].
وأما السنة: فأحاديث كثيرة، منها قوله في حديث بدء الوحي في البخاري وغيره:
Page 132