وعرض الجنة والنار عليه في الحائط يحتمل أن يكون حقيقة، وأنه (عليه السلام) رآهما من ذلك الموضع، كما يقال: رأيت الهلال في منزلي في الطاق، والمراد من موضع الطاق، ويدل له قوله في الحديث الآخر: «فتناولت منها قطفا من عنب»، لكن هذه رؤية أخرى في صلاة الكسوف غير هذه الرؤية أنها في صلاة الظهر، ويحتمل أن يكون مجازا من باب التمثيل، وأنه ضرب له (صلى الله عليه وسلم) مثلهما، وشرح له أمرهما بأمر أريه في الحائط وجهته ويدل عليه رواية مثلث لي، وصورت لي، والقدرة صالحة لكليهما.
وقد قال الأبي في شرح مسلم قال القرطبي: ظاهر أحاديث الكسوف أنه (صلى الله عليه وسلم) رأى الجنة حقيقة؛ لتناوله العنقود، والنار؛ لتأخره مخافة أن يصيبه لهبها، ولقوله (صلى الله عليه وسلم): رأيت فيها فلانا وفلانا.
وظاهر هذه الأحاديث يعني أحاديث صلاة الظهر أنها صورت له (صلى الله عليه وسلم)، ولا إحالة في ذلك، كما تصور الأشياء في الأجسام الصقيلة، فإن قلت: الحائط ليس بصقيل، قيل:
الصقالة شرط عادي لا عقلي، فيجوز أن تنخرق له العادة فتمثل له في الحائط انتهى.
وقال (صلى الله عليه وسلم): «ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار» الحديث (1).
والأخبار كثيرة متواترة حتى لا يكاد أن يرتاب فيها أحد من المسلمين والسلام.
انتهى.
وقوله: (كوشف عن الذي في قبره يعذب).
وأخرج أحمد وابن حبان في «صحيحه» عن أبي أمامة: إن النبي (صلى الله عليه وسلم) مر على قبرين، فقال: «إنهما ليعذبان الآن ويفتنان في قبريهما. قالوا: وحتى متى هما يعذبان؟ قال: غيب لا يعلمه إلا الله، ولو لا تمزع قلوبكم وتزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع».
ذكره بهذا اللفظ في «جمع الجوامع» وعزاه لمن ذكر، وذكره المنذري في «الترغيب»
Page 130