فإن قلت: هل فيه دلالة على أنه (صلى الله عليه وسلم) رأى في هذا المقام ذات الله تعالى؟
قلت: نعم إذ الشيء يتناوله، والعقل لا يمنعه، والعرف لا يقتضي إخراجه انتهى.
وعبارته في «إرشاد الساري» في كتاب العلم: «ما من شيء لم أكن أريته» بضم الهمزة: أي مما تصح رؤيته عقلا، كرؤية الباري تعالى، ويليق عرفا مما يتعلق بأمر الدين وغيره «إلا رأيته»: رؤية عين حقيقة حال كوني في مقامي انتهى.
وقال الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق قوله: «في مقامي» يجوز أن يكون المراد به المقام الحسي وهو المنبر، ويجوز أن يكون المراد به المقام المعنوي، وهو مقام المكاشفة والتجلي بالحضارات الخمسة، التي هي عبارة عن حضرة الملك والملكوت والأرواح، والغيب الإضافي، والغيب الحقيقي، فإنه البرزخ الذي له التوجه إلى الكل، كنقطة الدائرة بالنسبة إلى الدائرة، (صلوات الله عليه وسلامه)، ونفحنا من نفحات قدسه بمتابعته انتهى.
وقوله: (وأيضا كشف له عن الجنة في عرض الحائط).
قد تكررت رؤيته (عليه السلام) للجنة والنار يقظة ومناما، ودخوله لهما وإخباره عما فيهما كثيرا، وكثرت الأحاديث الواردة في ذلك.
أخرج أحمد والبخاري في عدة مواضع منها في النكاح، والترمذي عن عمران بن حصين، وأحمد عن عبد الله بن عمرو، وأحمد، ومسلم، والترمذي، عن أنس، وأبو داود الطيالسي وهناد ومسلم والنسائي عن ابن عباس، وابن منده وأبو نعيم عن عبد الرحمن بن حارثة ابن السلمي عن جده رفعوه: «اطلعت في الجنة- يعني ليلة الإسراء أو في النوم أو بالوحي أو بالكشف بعين الرأس أو بعين القلب لا في صلاة الكسوف ولا كما قيل- فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار، فرأيت أكثر أهلها النساء» (1).
وفي رواية لعبد الله بن الإمام أحمد في زيادات المسند عن ابن عمرو ابن العاص:
Page 122