وفيه أن هذه قصة أخرى وقعت له في صلاة الظهر، ولا مانع أن يرى الجنة والنار مرتين بل مرارا عديدة على صور مختلفة.
ومنهم من حملها على العلم، وأن الله عز وجل زاده الآن من العلم بحالهما تفصيلا لم يكن له قبل؛ ليزداد بذلك خوفه ورجاؤه وعلمه، وهو أضعف مما قبله، بل في غاية البعد.
وفي شرح ابن أبي جمرة لمختصره لصحيح البخاري في الكلام على حديث أسماء السابق في الوجه الثالث ما نصه:
قوله (عليه السلام): «ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي هذا»، فيه دليل على أنه (عليه السلام) لم يكن يرى من الغيب جميعه في الزمن المتقدم قبل هذا الموطن إلا البعض، وأنه في هذا الموطن تكملت له الرؤية لتلك الأشياء كلها، ثم تردد في أنه أخبر بجميع الغيوب، أو بما يحتاج به الإخبار إلى أمته، وما يخصه (عليه السلام) في ذاته المكرمة، أو مما أكرمه الله للاطلاع عليه، واستظهر الثاني منهما.
ثم قال في الوجه الخامس: فيه دليل على عظيم قدرة الله تعالى؛ إذ إنه (عليه السلام) رأى في هذه الدار في هذا الزمن اليسير ما لم يره ليلة المعراج في العالم العلوي، ومشاهدة الملكوت، وفيه دليل على أن القدرة لا تتوقف في شيء ممكن؛ لأنه (عليه السلام) رأى في هذا الزمن اليسير أمورا عظام، ثم عقلها جميعا مع إبقاء أوصاف البشرية عليه.
ثم قال في الوجه السادس: قوله (عليه السلام): «حتى الجنة والنار»، هذا اللفظ محتمل لوجهين:
الأول: أن يكون (عليه السلام) أراد أن يخبرهم بأنه عاين كل ما يلقون بعد خروجهم من هذه الدار حتى يستقروا في الجنة أو النار.
الثاني: أن يكون (عليه السلام) أراد أن يخبرهم بعظيم ما رأى من أمور الغيب بذكر الجنة والنار، تنبيها على ذلك؛ لأن الجنة قد روي أن سقفها عرش الرحمن، والنار في أسفل سافلين تحت البحر الأعظم: أي الذي عليه قرار الأرضين، فإذا رأى هذين الطرفين، فمن باب أولى أن يرى ما بينهما، انتهى منه بلفظه.
وقال الكرماني في قوله: «ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته» ما نصه:
Page 121