Anwār al-Nabī (ṣ) asrāruhā wa anwāʿuhā
أنوار النبي(ص) أسرارها و أنواعها
Genres
واعلم أنه (صلى الله عليه وسلم) من حين نشأته الروحية أزلا إلى تنزله إلى الحس، ومنه إلى البرزخ، ومنه إلى الدار الآخرة، لم يحجبه عن مشاهدة ربه حجاب وغفلة أصلا، بل هو كل آن ملتفت إلى ربه، قال (صلى الله عليه وسلم): «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين (1)».
فأعلمه تعالى بنبوته، واستصحب ذلك بالالتفات إليه تعالى إلى حين خلق جسمه ببلد لم يكن فيها موحد غيره، ثم صار يتحنث بغار حراء إلى أن أرسله الله تعالى إلى كافة خلقه، وقد قال مشيرا إلى استصحاب هذه المشاهدة: «تنام عيناي ولا ينام قلبي (2)».
فهو نائم حسا ليس نائما معنى كما أن موته كذلك، وهذا مقام ما ناله بشر سواه، مع أنه ببشريته قد وقع له تخلل بهذا المقام دون روحانيته.
واعلم أن الكامل إذا تخلق بالأسماء الإلهية وتحقق بها يصير ملحوظا من جانب الأزل محفوظا بالكلية عن أن يلم به الخطأ أو يعرض له الزلل لكونه تخلق في جميع حركاته وسكناته بأسماء الحق، وتحقق في ذاته وصفاته بطهارته عن أحكام ما سوى الحق بحيث لم يبق له فعل سوى فعل حق بحق لحق.
قال تعالى: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [الأنفال: 17].
وقال: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله [الفتح: 10].
وقال: وما ينطق عن الهوى [النجم: 3]؛ لتحققه بجميع ذراته وسائر حالاته بالحق تعالى، ومن وصل لهذه المرتبة لا تكون له إرادة ممتازة عن إرادته تعالى، بل هو مرآة إرادة ربه وغيرها من الصفات، وحينئذ لا تخرج أحكامه عن أحكامه، ولا تصرفاته الباطنية عن تصرفه، ويقع ما يريده من غير احتياج إلى قول ولا دعاء لموافقة إرادته لإرادة ربه وهو تعالى فعال لما يريد.
وقال العارف بالله سيدي عبد الوهاب الشعراني في كتابه: «كشف الغمة» في الباب
Page 258