فهل تعيش أمة في هذا الزمان وهذه نفسيتها؟ وهل تنال أمة استقلالها المغصوب وهذا معقولها؟
هو ذا بيت القصيد في خطبتي بعاليه، وإني أعود إليه في ختام هذه الصفحات؛ لأن الأدباء في الحوار والجدال، يعدوا منه، وكادوا ينسونه.
إننا أيها الناس لفي المحنة الكبرى التي فيها موتتنا كأمة، وفيها حياتنا فكيف نعمل لنخلص من الموت، وكيف نعمل لنظفر بالحياة؟ أنغني: حبيبي راح ونذرف الدمع ونرتاح - نموت؟
ألا يثير الألم فينا غير الدموع؟ ألا يثير فينا الدم والغضب والنقمة والتمرد؟ ألا يستفزنا للعمل للجهاد، أو في الأقل للعصيان المدني؟
قلت وأعيد ما قلت إننا سائرون إلى الاستعباد - الاستعباد الاقتصادي، إن الربقة لهي اليوم أمام عيوننا ولهي غدا في رقاب أبنائنا وإن النخاسين يصفقون لأغانينا المحزنة المبكية ويتمنون لنا الزيادة منها، كيف لا والدموع بنات الذلة والخنوع.
ونحن نتحاور ونتجادل في الأدب الباكي والأدب الثائر - أدب الضعف وأدب القوة - وأيهما أنفع لنا، والله لو كان حالنا حال غيرنا من الأمم المستضعفة لما اختلف في المسئلة اثنان.
وهل في مثل حالنا يجوز البحث في ما إذا كان الشعر المبكي والأغاني المحزنة أعظم فنيا من تلك التي تحرك في النفس الخفة والطرب؟
وهلا يكفي أن أقول لكم: إن النخاس يحب في عبيده الشعور الرقيق، والإحساس اللطيف؟ أفلا تنتبهون أفلا تفقهون؟ واعلموا وقاكم الله خير النخاسين أن التاريخ لا ينبئ بأمة واحدة كانت في أيام جهادها وتكونها على شيء كبير من الإنتاج الفني، وكل ما كان فيها من فن وشعر وعلم وأدب كان يسخر للغرض الأكبر من جهادها، يسخر لحريتها ولاستقلالها؛ ولتعزيز القومية والوطنية فيها.
نحن اليوم هذه الأمة وقد بدأ يشعر الكثيرون منا بأن أدب القوة هو ألزم لنا، وأن أدب الضعف لا يفيد غير المسيطرين علينا.
إن أمر هؤلاء المسيطرين عجيب، قد يظن البعض من المتفائلين أنهم في النهاية راحلون، وهم يعللوننا بيوم المعاهدات؛ يتلوه يوم الجلاء.
Unknown page