قال الذهبي: هذه مسألة مختلف فيها: هل طلب العلم أفضل، أو صلاة النافلة والتلاوة والذكر؟ فأما من كان مخلصا لله في طلب العلم، وذهنه جيد، فالعلم أولى، ولكن مع حظ من صلاة وتعبد، فإن رأيته مجدا في طلب العلم، لا حظ له في القربات، فهذا كسلان مهين، وليس هو بصادق في حسن نيته. وأما من كان طلبه الحديث والفقه غية ومحبة نفسانية فالعبادة في حقه أفضل، بل ما بينهما أفعل تفضيل، وهذا تقسيم في الجملة، فقل - والله - من رأيته مخلصا في طلب العلم. دعنا من هذا كله، فليس طلب الحديث اليوم على الوضع المتعارف من حيز طلب العلم، بل اصطلاح وطلب أسانيد عالية، وأخذ عن شيخ لا يعي، وتسميع لطفل يلعب ولا يفهم، أو لرضيع يبكي، أو لفقيه يتحدث مع حدث، أو آخر ينسخ. وفاضلهم مشغول عن الحديث بكتابة الأسماء أو بالنعاس، والقارئ إن كان له مشاركة فليس عنده من الفضيلة أكثر من قراءة ما في الجزء، سواء تصحف عليه الاسم، أو اختبط المتن، أو كان من الموضوعات. فالعلم عن هؤلاء بمعزل، والعمل لا أكاد أراه، بل أرى أمورا سيئة، نسأل الله العفو (7/167).
تعظيمهم الحديث وحملته:
* حدث شريك عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: قال عمر: "إنا لنأكل لحوم هذه الإبل ، ليس يقطعها في بطوننا إلا هذا النبيذ الشديد" فقال الحسن بن زيد بن الحسن : ?ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ، إن هذا إلا اختلاق? [ص:7] فقال شريك : أجل ! شغلك الجلوس على الطنافس في صدور المجالس عن استماع هذا وأمثاله ، فلم يجبه الحسن بشيء ، وأسكت القوم ، فتحدثوا بعد في النبيذ ، وشريك ساكت . فقال أبو عبيد الله : حدثنا يا أبا عبد الله بما عندك . فقال : كلا ! الحديث أعز على أهله من أن يعرض للتكذيب (8/203).
Page 61