68

وقادة الفكر بين أمم الحضارة - قديمها وحديثها - كتبت عن بعض منهم ولم أكتب عن بعض، وليس في الوسع ولا في النية أن أستقصيهم بقضهم وقضيضهم، فليكن خلاصة، أو عصارة لمذاهبهم وآراء المفكرين فيهم، وبها تتأدى حصتي الصغيرة من أمانة تحملها الأرض والجبال، والإنسان! ثم ماذا بعد هذا؟

سيرة «سعد زغلول» ظهرت في زمن لا تظهر فيه حقائق الحكم والمحكومين، فمن الخير أن تعاد، وأن يزاد عليها ما لم يكن يزاد في عهد أحمد فؤاد ...

وإلى هنا أراني ذكرت حقا ما لم أكتب، وذكرت طرفا أو أطرافا مما أريد أن أكتب، ولكن «ما أريد» يصدق عليه قول القائل: «إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون.»

وسأريد ما يكون، وقد يكون ما لم أذكره وما لم أرده، وعلمه عند الله.

الفصل الرابع

(1) عرفت نفسي

وهل يعرف الإنسان نفسه؟

كلا، بغير تردد، فلو أنه عرف نفسه لعرف كل شيء في الأرض والسماء وفي الجهر والخفاء، ولم يكتب ذلك لأحد من أبناء الفناء ...

إنما يعرف الإنسان نفسه بمعنى واحد، وهو أن يعرف حدود نفسه حيث تلتقي بما حولها من الأحياء أو من الأشياء. والفرق عظيم بين معرفة النفس ومعرفة حدودها؛ لأننا نستطيع أن نعرف حدود كل مكان، ولكن لا يلزم من ذلك أن نعرف خباياه، وخصائص أرضه وهوائه، وتاريخ ماضيه، ولو قسنا كل شبر في حدوده.

والأحرى أن يقال: إن الإنسان يعرف الفواصل بينه وبين غيره، فيعرف مداها ولا يتعداه ...

Unknown page