ونادى على بائع الكاكولا، ودفع له في الزجاجتين عشرة قروش بسخاء وشربناها. قال: اسمع يا سيدي، أنا شحات.
قلت في سري: هذا يبدو واضحا.
قال: وأنا أريد أن آخذ تاكسي مخصوص لأهرب من العسكري.
سألته: قصدك شرطة مكافحة التشرد.
قال: لأ، عسكري المرور.
قلت: وما علاقتك بعسكري المرور وأنت شحات؟
قال: علاقة عمل.
قلت في سري: أي عمل هذا الذي يربط بينك وبين عسكري المرور؟
قال: أيوه، علاقة عمل.
وأخبرني بالقصة، قال: من يوم أن قطعت ساقاي في حادث مترو بدأ ربنا يفتحها علي، وبدأ الناس كلما رأوني زاحفا على الأرض من تلقاء أنفسهم يعطونني، وبدأت أطلع في اليوم بخمسين ستين قرشا، وأقول نعمة. ولكني بدأت أفهم وأوعى وأعرف أنني أمتلك رأس مال. ساقاي المقطوعتان رأس مال لا بأس به أبدا لا بد أن أشغله. وهكذا بدأت أتقن انتقاء الأماكن، وأعرف طباع السكان والمارة في كل حي من أحياء القاهرة. الغريب أن الذين كانوا «يعطفون» دائما علي هم: إما الفقراء جدا أو الأغنياء جدا. أما متوسطو الحال من أمثالك فالظاهر أن الرحمة صعبة الوصول إلى قلوبهم تماما. ولكني أيضا بطول المزاولة اكتشفت أن الذين يعيشون في مصر تتيبس الرحمة في قلوبهم بعد قليل من كثرة ما يرون، أما القادمون الجدد فهم الذين لا تزال قلوبهم، وجيوبهم أيضا، عامرة بالمال والرحمة.
Unknown page