ها هو يخرج من الجراب كل ما تملك أصابعه التي لا بد أصابتها رعشة خفيفة لا تلحظ، كل ما تملك أصابعه إخراجه. بقية الأسود تلعب، والجمهور يصفق، وكل شيء يمضي وكأن لا خطر البتة هناك. ولكن الرجل ليس نفس الرجل. إنه هذه المرة خائف. هكذا راحت تدق أحاسيس الأسد الغريزية وتؤكد. في يده الرمح المدبب المرعب ولكنه يرتعش. النظرة خارجة من عينيه ليست واضحة وقاطعة وحاسمة، إنها تتردد، إنها تحسب، إنها تراجع، إنها تحوم، أبدا ليست نفس النظرة.
تلك كانت الليلة الأولى.
الليلة التي أدرك فيها «جبار» هذا الإدراك.
ولكن الذي قتل محمد الحلو هو «سلطان».
وعضه في الليلة التالية.
فجبار حديث المعرفة بمحمد الحلو.
لا تزال العلاقة بينهما علاقة من يخاف من.
ولهذا كان هو أول من أدرك أن الآخر خائف.
أما «سلطان» فأمره مختلف. سلطان قضى عمره كله يعرف الحلو ويخاف منه، ويطيعه، والليلة الأولى، مثلها مثل كل الليالي الأخريات، مرت، وسلطان يقوم بما تعود القيام به من ألعاب، يأمره الحلو، فيطيع، يكافئه، بلحم الحمير، فيسعد. الحيوان الذي فيه كان غافلا مستسلما كالعادة للطبيعة الجديدة المتمدينة المروضة التي تكونت له. في الليلة التالية فقط، عرف سلطان.
فجأة وللمرة الأولى، يدب في غرائزه العميقة ذلك الشعور الذي لم يخالجه أبدا. الرجل؛ ذلك الرجل الذي يخاف منه، الليلة خائف.
Unknown page