214

فقالت: أي مرارة؟

فأجبت في هدوء: لست أعرف كيف تنظرين إلي وأنت تطلبين مني أن أشرف على المحلج، لن أستطيع عند ذلك أن أقول لك الكلمة التي عشت هذه السنين راجيا أن أقولها لك يوما، لن أجرؤ أن أقولها لك إذا اشتغلت عندك، ولا فرق بين أن أكون في المحلج مديرا أو وزانا.

وتوقفت لحظة، ثم تهدج صوتي وأنا أستمر قائلا: لم يكن لي في الحياة إلا حلم واحد وهو حبك يا منى.

ورفعت يديها إلى شفتي فقبلتهما في حرارة.

واندفعت قائلا: حبك هو الذي يدفعني دائما، ويوحي إلي، ويجعل لي في الحياة غرضا ، ولست أحب أن أعرضه للسخرية حتى يقول أحد إنني أحب سيدتي، أو يقول أحد إنك تريدين أن تجعليني إنسانا وتقول للناس: «هذا رجلي.» وأنا آسف إذ أقول لك هذا، فإني أبدو لنفسي جديرا بالسخرية وأنا أقوله.

فأطرقت برأسها ويداها ما زالتا على صدري، ومالت حتى مس رأسها كتفي، وقالت بصوت منخفض: لم تقول هذا؟

وبغير أن أشعر بما فعلت ضممتها إلى صدري وقبلت جبينها.

الفصل الثالث والثلاثون

تمر علينا أحيانا لحظات طويلة أو قصيرة نكون فيها مثل الريشة في مهب الرياح المتعارضة لا نعرف لأنفسنا اتجاها، وهذا ما حدث لي بعد خروجي من بيت منى، لم أدر ماذا أريد ولا ماذا أحس، وتنازعتني دوافع متضادة كل منها يجعلني أشك في حقيقة آرائي وصدق مشاعري. منى تسألني أن أقف إلى جنبها وتقول لي هذه هي اللحظة الموعودة، وهناك في القاهرة معركة كبرى في سبيل الغاية التي آمنت بأن الحياة تناديني من أجلها، وها هي ذي منى تستمع إلي وأنا أقول لها في أول مرة من حياتي: «أنا أعيش من أجل حبك، وأخشى أن أكون موضعا للسخرية.» فتميل برأسها على كتفي قائلة: «لم تقول هذا؟»

وبقيت صورتها ونغمة صوتها تترددان في كل كياني، وأنا أتحدث إلى أمي وأختي وأستمع إلى تحياتهما الممزوجة بالعتاب على طول غيبتي عنهما.

Unknown page