196

فقال في حزن: لا لا يا سيد أفندي، تبحث لها عن حمار غيري، أذهب إليها بسيارة محملة بالهدايا وأتحمل وأصبر ويكون هذا جزائي؟

فقلت: ألا تخبرني ماذا حدث؟

فقال: اسمع يا سيدي. ذهبت إلى البيت وكانت ست فطومة تستعد للخروج. أتدري مع من؟ أتعرف الست هدى؟ النهاية، وحلف الشيخ مصطفى بالطلاق، وبكت الست فطومة، ورق قلبي لها واستسمحت الحاج مصطفى حتى قبل أن تذهب بشرط أن أكون معها، ونظرت إلي الست هدى تفحصني من رأسي إلى قدمي، ثم قالت: بكل سرور، ورحنا إلى بيت الست هدى في الزمالك، فيلا أنيقة وحديقة وصالة فخمة وجلسنا ننتظر الضيوف. كانت حفلة يا أستاذ فيها رجال ونسوان، وبعد ساعة امتلأت الصالة وصارت هيصة. تعرف من كان الضيف العظيم يا أستاذ؟ سي محمود خلف، يا خبر؛ وعرفت القصة من عنوانها وبدأت أفهم، وقلت لفطومة: «يلا بنا ...» وكأني كفرت. قالت: مستحيل؛ وهات يا فلاح ويا دون ويا حمار أخجلتني، ومع ذلك قلت لنفسي: «هدئ نفسك يا حمادة.» وبعد ربع ساعة جاءت الست هدى تضحك وتطلب فطومة للمقصف. أي مقصف يا ست هدى؟ ورنت الضحكة وقالت لي: «تعال معنا يا سي حمادة!» والبنت تكسف البدر والعيون كلها متجهة إلينا، وغلى دمي، وقلت: الأمر لله، هي المرة الأولى والأخيرة، وهدئ نفسك يا حمادة، وذهبت ست فطومة، وجلست أنظر إليها من بعيد وهي تضحك مع الضيوف، ولو كانت صاعقة نزلت على رأسي من السماء كان أهون علي يا سيد أفندي، وبعد قليل ذهب محمود إليها وكلمها وضحك معها، وأحسست برأسي تلف، فوقفت على رحلي وقلت: ليلته زفت، ولكن العيون كانت مفتحة لي، وأقول لك الحق، تسمرت في مكاني. النهاية يا أستاذ فاتت الليلة بالطول أو بالعرض، ورجعنا إلى البيت وطول الطريق أخجلتني يا فلاح يا دون يا حمار يا، يا، لا مؤاخذة يا سيد أفندي، وما صدقت أننا وصلنا إلى البيت وقلت: يحرم علي دخوله. أنا من هنا وهي من هنا. تبحث لها عن حمار غيري. من الليلة مسافر إلى دمنهور، وربنا يلطف بك وبنا يا أستاذ.

وكنت أنصت إليه في اهتمام وقلق، وشعرت بشيء كثير من الضيق والأسف. لم يكن عدول حمادة عن زواج فطومة هو الذي يزعجني، بل كان مصير فطومة، بهرتها أضواء المدينة كما تنجذب الفراشة إلى المصباح الذي يحرقها. أهي سوق رقيق جديدة؟ بخور يحرق للشيطان من جثت فطومة وأمثالها.

وتنبهت إلى صوت حمادة وأنا غارق في تفكيري، وكان يسألني قائلا: ما رأيك يا أستاذ؟

فقلت غائبا: في أي شيء؟

فقال: في زواج صاحبك عبد الحميد.

فقلت: هل يريد الزواج؟

فأجاب: أما كنت أقول لك إني أحب أن أعرف رأيك؟ إذا كنت تريد أن تزوجه الست منيرة كان بها.

فقلت: وهل هذا من شأني؟

Unknown page