151

وبقيت في مكاني ناظرا إليها مأخوذا مسمرا، وامتلأت عيني من حسنها الوحشي المخيف، نعم كان حسنها بارعا مخيفا أو هكذا شعرت؛ لأنه زادني رهبة منها، وهممت أن أجمع إرادتي وأحل انكماشي وأقول لها كلمة مداعبة أو أطري على محاسنها بعبارة منطلقة تعيد مكان كل منا إلى سابق موضعه من الآخر، ولكني ذهلت عن كل لفظ يحمل معنى المداعبة أو الإطراء والمجاملة فلم أنطق إلا بقولي: ما هذا يا فطومة؟ أكاد لا أصدق عيني.

ولم أفطن إلى أني كنت غير موفق في كلمتي إلا عندما سمعتها، تجيب قائلة: يعني؟

فقلت مرتبكا: الحقيقة أني كنت لا أنتظر ... أقصد أني مسرور من هذه المفاجأة.

فضحكت مرة أخرى حتى كادت تترنح، وقالت في سخرية: كذاب!

فوقعت كلمتها مثل صدمة عنيفة على رأس مذهول، فلم أكد أتنبه إلى دلالتها، أهكذا تخاطبني فطومة؟ وما يحملها على كل هذا؟

وحاولت أن أهرب من المعركة، فقلدتها تقليدا أبله، وقلت: يعني؟

فضيقت عينيها وهزت رأسها وهي تقول: يعني أنك كنت تريد أن تقول شيئا آخر، ولكنك خفت.

فقلت محاولا أن أجعل صوتي مداعبا: أهي معركة مقصودة؟

فكانت كلمتي مثل عود الكبريت إذا أشعل لغما وانفجرت فطومة قائلة: معركة؟ إيه معركة؟ مقصودة؟ تحسب أني جئت إلى هنا بالقصد؟ العفو يا سيدي! لو عرفت أنك هنا ما وضعت قدمي على السطح، أنا أرمي نفسي؟ أنا أبحث عنك وأجيء إليك بالقصد. لست بلهاء ولا رخيصة ولا تحت فضلة، تحسب أني جئت أرجوك التنازل؟ ومن قال لك أني أهتم بسؤالك؟ لم يخطر ببالك أن تقف عند الباب لتسأل عن المريضة المسكينة. يا عيني! ألم تسمع أني مريضة؟ حتى الآن عندما تمر بباب الشقة لا تلتفت ولا تعتني كأني لا أستحق أن تقول لي كيف حالك يا فطومة يا بنت آدم، تظن أن الدنيا كلها خلت ولا أجد فيها من يسأل عني؟

وأخيرا جئت إلى هنا ووقفت أمامك وكسرت على نفسي بصلة، فلا أسمع منك إلا هذه الكلمة؟ تقول لي معركة مقصودة؟ حتى الكلمة عندما تكون على طرف لسانك وأعرف أنها في ضميرك، نعم أعرف أنها في ضميرك، ومع ذلك لا ترضى أن تنطق بها وتحسبني بلهاء، كذاب وألف مرة كذاب، وأنت تعرف أنك كذاب ومتكبر ومغرور، وتقابلني كأني خادمة، يا جامد يا بارد يا ثقيل!

Unknown page