فشعرت بصدري يزدحم بالغيظ، وتمنيت لو دفعني لأجد سببا يجعلني أفرغ فيه حنقي بلكمة في صدغه، ولكنه أدار لي ظهره وأمسك بأكرة الباب.
فلم أجد لي سبيلا إلا أن أبلع غيظي وأنصرف وفي قلبي بركان يفور.
وزاد ضيقي بالحياة وبدأت أسأل نفسي عن قيمتها وتفاهتها، وزادني ضيقا أنني بدأت أندم على انقطاعي عن الدراسة وإغضاب أمي، وبلغ بي الحنق على نفسي وغيري أن انقطعت عن الناس كافة، وصرت أقضي أكثر أوقاتي هائما في الحقول مثل طفل ضال، لا أجد شيئا أفرج به عن نفسي إلا أن أكتب قطعا حانقة باكية من النثر أو الشعر ثم أمزقها بعد أن أقرأها.
وكنت أحيانا أرى في الطريق بعض زملائي القدامى في المدرسة فتصيبني غصة، وألفت بصري عنهم حتى لا أحييهم أو أكلمهم، شاعرا نحوهم بشيء يشبه البغض أو الحقد، فإذا عدت إلى بيتي تسللت إلى غرفتي لأقضي أكثر الليل ساهدا مع خواطري السوداء.
هكذا مرت بي الأيام بطيئة كئيبة حتى جاء الصيف وامتحن رفاقي في البكالوريا، فانهارت مكابرتي وصرت أبكي في غرفتي كلما خلوت فيها.
وجاءني حمادة الأصفر ذات ليلة من الليالي الحارة، وكنت لم أره منذ أشهر طويلة، فتعجبت من زيارته، ولكني شعرت بشيء يشبه الابتهاج بها لأنها أدخلت علي شيئا من التغيير، وكان وجهه أصفر كعادته، وظهرت النقط السود التي فوقه كأنها نمل صغير يتحرك، وابتسم لي عن أسنانه الصفر «المشرشرة» كأنه لم يكن بيننا ما يعكر الصفاء من قبل.
وقال لي مبادرا: ما رأيك يا سي سيد؟
وكان واقفا على أرض الحارة وكنت فوق عتبة الباب، فظهر لي كأنه طفل ضئيل الجسم، وأحسست نحوه لونا من العطف ممزوجا بالاحتقار وقلت له: ماذا تريد يا حمادة؟
فقال: ما رأيك في فرقة تمثيل؟
فصحت: ماذا؟
Unknown page