ولم يكمل الجملة، ولم تطلب هي إليه أن يكملها، وعاد إليهما الصمت، كيف دبرت؟ أنا أعلم أنها لا تحبني، لم يجذبها إلي إلا ما جذب النساء الأخريات منذ حكاية جيهان، هي أصغر، ولم تكن سيدة حين عرفتها، ولكنها هي التي أرادت. إنني أعرف النساء حين يردن، وأعرفهن حين يحببن، لقد أرادت دون حب، إن تكن ذكرت الحب في اللقاءات فقد كان لا بد له أن يذكر، إنني أحس المكان الذي تصدر عنه كلمة الحب حين تقال، أحسها، ومن الصدى الذي يأتي معها أعرفها، لم يكن حبا، لقد أرادت وقد أردت، وهذا كل ما هناك. فكيف يمكن أن تصبح زوجة بعد هذا؟ زوجة لي أنا، أنا الرجل؟ ولا شأن للوقف هنا، أنا الرجل، كيف أجعل من هذه المرأة، أصبحت الآن مرأة، كيف أجعل منها زوجتي، تحمل اسمي وشرفي أمانة في يدها؟ إنها لم تحافظ على اسمها ولا شرفها هي، فكيف تحافظ على اسمي وشرفي؟ لا، لا. لا قاطعة. ودون أن يحس ارتفع صوته وانتفض: لا.
وصمتت لحظة ثم قالت في هدوء: والوقف؟
وعاد الصمت.
لم تصبح المشكلة مشكلة نظارة الوقف، إنما أصبحت المشكلة مشكلة الوقف جميعا، لن يصبح ناظر وقف، هذا لا شك فيه، ولكن من المحتمل، إن لم يكن من المؤكد، أن أخاه سيخرجه من الوقف جميعا، أليس ناظر الوقف وله حق الإدخال والإخراج؟ وسيجد أخوه الفرصة سانحة أعظم ما يكون السنوح؛ أخ فاسد بلغ الأربعين من عمره ويقضي على شرف بنت لم تعد التاسعة عشرة من عمرها. إنه لا يستحق أن يكون ضمن المنتفعين بالوقف، خذل أجداده في قبورهم، وخذل أقرباءه في حياتهم، وأساء إلى سمعة الأسرة جميعا، الأسباب قوية، الضياع بعد ذلك والفقر الموحش. ولكن زواجها؟ زواجها هو الشرف المضاع، سيصبح اسمي أضحوكة في فم الناس أجمعين، كيف إذن أتصرف؟ هل أقضي على شرفي لأحافظ على شرفي؟
ابتسم.
وابتسمت.
ولم يقطع الابتسام منهما الصمت بينهما، ولكنها في هذه المرة لم تسمح للصمت أن يطول: هيه؟
قالتها طويلة عميقة تحمل التهديد ونفاد الصبر. - أفكر. - ألم تكن تفكر ؟ - الأمر يحتاج إلى تفكير طويل. - هل تعتقد ذلك؟ - أنا لم أعدك بالزواج. - وهل قلت إنك وعدتني؟ - أفكر إذن. - لا تجعل التفكير يطول. - أليس لي حق التفكير؟ - الوقت لا يسمح بالتفكير الطويل، لا بد أن أعرف رأيك قبل أن تصبح ناظر الوقف. - لماذا؟ - سيكون الوقت متأخرا، وعزل ناظر الوقف أصعب مائة مرة من العدول عن تعيينه. - آه فهمت. - أنت فاهم من أول لحظة. - هيه. - متى أعرف رأيك؟ - قبل أن تفكري في الكلام سأكون قد انتهيت إلى رأي. - ألم أقل لك إنك فاهم من أول لحظة؟
وصمت قليلا قبل أن يقول: نعم فاهم. •••
لن تفلت الفرصة، لقد جاءتها من حيث لا تحتسب، ولن تدعها تفلت منها، والأمر في ظاهره لا غبار عليه، وأي عجب أن يتزوج نامق بك إبراهيم من نازك هانم شكري؟ كلمة هانم مهمة غاية الأهمية، أسرتها لا بأس بها وأبوها رجل محترم، ولا أحد يعرف عن نازك من سوء إلا أنا، وأنا الذي يجب أن يتزوجها، أنا وحدي دون الناس الآخرين الذين لا يعرفون عليها من سوء، لو سألني أي شاب من الناس الآخرين لقلت له إنها خير زوجة، شخص واحد ينبغي له ألا يتزوجها، هذا الشخص هو أنا، لأنني أنا الشخص الوحيد الذي يعرف عنها ما أعرف.
Unknown page