كتاب قد حوى دررا ... بعين الحسن ملحوظة
لهذا قلت تنبيها ... حقوق الطبع محفوظة (للناشر)
الطبعة: الأولى ١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م
مكتبة الصحابة بطنطا بجوار محطة القطار - خلف المعهد الأزهرى شارع الجنبية الغربي
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة: إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره.
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﷺ.
مؤلفنا هو الامام بن قيم الجوزى.
ولد في عصر أزدهرت فيه العلوم ونشأ في بيت علم وفضل.
وأخذ العلم عن كبار علماء عصره.
فأخذ عن والده علم (الفرائض) وسمع (الحديث) من الشهاب عصره النابلسي والقاضى تقى الدين واسماعيل بن مكتوم وفاطمة بنت جوهر وأخذ (العربية) عن أبى الفتح البعلى ومجد الدين التونسى وتلقى الاصول والفقه على الشيخ صفى الدين الهندي وشيخ الاسلام بن تيمية ويعتبر بن تيمية هو الموجه الاول لابن القيم وقدوتة فقد تأثر به كثيرا واضطهد من أجله.
والشيخ أسماعيل الحرانى.
والامام بن القيم غنى عن التعريف وعلى من يريد أن يرجع ألى سيرته ومؤلفاته وما كتبه عنه علماؤنا فليرجع إلى هذه المراجع:
١ - البداية والنهاية للحافظ ابن كثير ح ١٣ / ٢١٦، ح ١١٤ / ٢٣٤، ٢٣٥.
٢ - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ح ٣ / ٤٠٠، ج ٤ / ٢١، ٢٣ لابن حجر العسقلاني ط حيدر اباد.
٣ - ابن القيم في آثاره العلمية - أحمد ماهر البقرى.
ط مؤسسة كتاب الجامعة الاسكندرية.
1 / 3
٤ - الوافى بالوفيات ٢، ٢٧٠ / ٢٧٢ الصفدى.
٥ - ابن القيم وموقفه من التفكير الاسلامي عوفي حجازى الشركة المصرية
للطباعة.
٦ - الرد الوافر ٦٨، ٦٩.
٧ - النجوم الزاهرة ١٠ / ٢٤٩ لابن تغرى بردى - القاهرة.
٨ - البدر الطالع ٢ / ١٤٣، ١٤٦ - الشوكاني طبعة القاهرة.
٩ - الدارس في تاريخ المدارس ٢ / ٩٠ النعيمي.
تحقيق جعفر الحسينى - دمشق.
١٠ - الاعلان للزركلي ٦ / ٥٦ بيروت.
١١ - ابن قيم الجوزى لمؤلفه محمد سالم الغنيمى طبعة المكتب الاسلامي.
١٢ - ابن قيم الجوزى عصره ومنهجه د.
عبد العظيم عبد السلام الكليات الازهرية.
١٣ - هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين ٦ / ١٠٨ إسماعيل باشا البغدادي اسطنبول.
١٤ - معجم البلدان ح ٤، ح ٢ / ٣٨ الطبعة.
١٥ - دائرة المعارف اللاسلامية ١ / ٢٦٨.
١٦ - شذرات الذهب في أخبار من ذهب ٦ / ١٦٨ لابن العماد الحنبلى.
١٧ - طبقات الحنابلة ح ٣، ح ٢ / ٥٩٣.
وذيل طبقات الحنابلة ٢ / ٤٤٧، ٤٥٢.
١٨ - مختصر طبقات الحنابلة للشطي ص ٦١.
١٩ - جلاء العينين في مكاكمة الاحمدين للالوسي ص ٢٠، ٣٠، ٣٢.
٢٠ - منهج ابن قيم الجوزى في التفسير - طبة مجمع البحوث الاسلامية.
٢١ - بغية الوعاة ١ / ٦٢، ٦٣.
٢٢ - طبقات المفسرين ٢ / ٩٠، ٩٣ الداودى - تحقيق على محمد عمر
القاهرة.
٢٣ - وكذلك المقدمات التى قدمت بها كتبه بأقلام المحققين التى تصل إلى خمسة وستين كتابا وبحثا.
كان عالما فاضلا غفر الله له ولكافة علمائه العاملين آمين.
1 / 4
* مراجع الكتاب التى اعتمد عليها في الطبع * طبع الكتاب تحت اسم (أمثال القرآن) تحقيق الدكتور ناصر بن سعد الرشيدى طبعة دار مكة بالمملكة السعودية وقد بلغ الكتاب نحو اثنين وستين صفحة وقد قام فيه محققه بمجهود مشكور إذ خرجو معظم آثاره مع المقارنة الدقيق لكتاب الامثال مع مخطوطاتة المختلفة وقد أخذناه كأصل نعتمد عليه في الطبع بعد تصحيح ما به وتشكيل آياته بالاستعانة بتحقيق الاستاذ سعيد محمد نمر الخطيب فجزاهما الله خير الجزاء.
* وطبع أيضا تحت اسم (الامثال في القران الكريم) تحقيق الاستاذ سعيد محمد نمر الخطيب طبعة دار المعرفة بيروت وقد بذل محققه مجهودا مشكورا وأخرج عدة أبحاث حول (الامثال) تعد موسوعة في ذاللك إذ بلغ الكتاب نحو مائتين وثمانية وثمانين صفحة.
* وقد قام الدكتور ناصر بن سعد الرشيدى والاستاذ سعيد محمد نمر الخطيب بالرجوع الى المخطوطات الاتية: - * مخطوطة مكتبة الاوقاف ببغداد تحمل رقم ٦٦٨٥ ومصوره بالمركز العلمي وإحياء التراث تحت رقم (تفسير ٢٩) .
* مخطوطة بالجامع الكبير بعنيزه وقد رمزت لها بالرمز (ع) .
* أعلام الموقعين لابن القيم وهى من صفحة (١٥٠: ١٩٠) وقد رمزت لها بالرمز (م) * مخطوطة مصورة في مكتبة والد الاستاذ محمد نمر الخطيب برقم ١٤٥٧ / م.
* مجلة رسالة الاسلام العدد ٦٧ لسنة ١٩٧٣ ومقال لعبد الرحمن التكريتي.
* ومخطوطة مكتبة بالى كسير باغشلر في تركيا انظر مخطوطات تركيا ١ / ١٥٩.
1 / 5
نموذج مصور للصفحة الاولى للمخطوطة (أ)
1 / 7
نموذج مصور عن الصفحة الثانية للمخطوطة (أ)
1 / 8
كتاب الأمثال للعلامة ابن القيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير البرية محمد وآله وصحبه أجمعين قال شيخنا ﵀ وقع في القرآن أمثال وان أمثال (١) القرآن لا يعقلها إلا العالمون وأنها شبيه (٢) شئ بشئ في حكمه وتقريب المعقول من المحسوس أو أحد المحسوسين من الأخر واعتبار أحدهما بالآخر كقوله تعالى في حق المنافقين: (ومثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت وسلم مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظلمات لا يصبرون صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ - إلى قوله - إِنَّ الله على كل شئ قَدِيرٌ) (٣) فضرب للمنافقين بحسب حالهم
مثلين مثلا ناريا (٤) ومثلا مائيا لما في الماء والنار (٥) من الإضاءة والإشراق والحياة فإن النار مادة النور والماء مادة الحياة وقد جعل الله سبحانه الوحي الذي أنزل من السماء متضمنا لحياة القلوب واستنارتها ولهذا سماه روحا ونورا (٦) وجعل قابليه أحياء في النور ومن لم يرفع به رأسا أمواتا في الظلمات، وأخبر عن حال المنافقين بالنسبة إلى حظهم من الوحي أنهم بمنزلة من استوقد نارا لتضئ له وينتفع بها وهذا لأنهم دخلوا في الإسلام، فاستضاءوا به وانتفعوا به
_________
(١) شيخنا هو الامام ابن القيم وهذه العبارة من كلام أحد تلامذة ابن القيم [والمثل بالكسر والتحرك ومنه (مثل الجنه التى ...)] انظر ترتيب القاموس المحيط ح ٤ / ٢٠٣.
(٢) في م، ع (فأنا تشبيه) .
(٣) سورة البقرة: ١٧ - ٢٠.
(٤) الزيادة من م، ع.
(٥) إشارة إلى الايه (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ...) الشورى ٥٢ / ٥٣.
(٦) المراد بالروح القرآن والنور هو الوحى القرآني انظر الشورى: ٥٢.
(*)
1 / 9
تشبيه الكفار بالمطر المصاحب للظلمة والرعد والبرق وآمنوا به وخالطوا المسلمين ولكن لما لم يكن لصحبتهم (٧) مادة من قلوبهم من نور الإسلام طغى عنهم وذهب الله بنورهم.
ولم يقل نارهم فإن النار فيها الإضاءة والإحراق فذهب الله بما فيها من الإضاءة وأبقى عليهم ما فيها من الإحراق وتركهم في ظلمات لا يبصرون فهذا حال من أبصر ثم عمي وعرف ثم أنكر ودخل في الإسلام ثم فارقه بقلبه لا يرجع إليه ولهذا قال (٨): (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) .
ثم ذكر حالهم بالنسبة إلى المثل المائي فشبههم بأصحاب صيب وهو المطر
الذي يصوب أي ينزل من السماء (٩) فيه ظلمات ورعد وبرق فلضعف بصائرهم وعقولهم اشتدت عليهم زواجر القرآن ووعيده وتهديده وأوامره ونواهيه وخطابه الذي يشبه الصواعق فحالهم كحال من أصابه مطر فيه ظلمة ورعد وبرق فلضعفه وخوفه (١٠) جعل أصبعيه في أذنيه خشية من صاعقة تصيبه وقد شاهدنا نحن وغيرنا كثيرا من مخانيث تلاميذ الجهمية (١١) والمبتدعة إذا سمعوا شيئا من آيات الصفات وأحاديث الصفات المنافية لبدعتهم رأيتهم عنها معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة، ويقول مخنثهم: سدوا عنا هذا الباب، واقرأوا شيئا غير هذا وترى قلوبهم مولية وهم يجمحون لثقل معرفة الرب سبحانه تعالى وأسمائه وصفاته على عقولهم وقلوبهم وكذلك المشركون على اختلاف شركهم إذا جرد لهم التوحيد وتليت عليهم نصوصه (١٢) المبطلة
_________
(٧) في ع (ولكن ستصحبهم) .
(٨) في ع (قال فيههم) .
(٩) (أنا صببنا الماء صبا) انظر تفسير النسفى ١ / ٢٦، ومفردات الراغب ٢٢٨.
(١٠) الضمير يعود للمنافقين (وخوره) من ع.
(١١) وابن القيم كتابه القيم الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة وانظر مقالات الاسلامين للاشعري ... (١٢) من م (النصوص) .
(*)
1 / 10
الماء الذي به الحياة لشركهم اشمأزت قلوبهم وثقل (١٣) عليهم لو وجدوا السبيل إلى سد آذانهم لفعلوا وكذلك (١٤) نجد أعداء أصحاب رسول الله ﷺ ثقل ذلك عليهم جدا فأنكرته قلوبهم وهذا كله شبه ظاهر ومثل محقق من اخوانهم من المنافقين في
المثل الذي ضربه الله لهم بالماء فإنهم لما تشابهت قلوبهم تشابهت أعمالهم (١٥) فصل: وقد ذكر سبحانه المثلين المائي والناري في سورة الرعد ولكن في حق المؤمنين فقال تعالى: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ ...) (١٦) شبه الوحي الذي أنزله لحياة القلوب والأسماع والأبصار بالماء الذي أنزله لحياة الأرض بالنبات وشبه القلوب بالأودية (١٧) فقلب كبير يسع علما عظيما كواد كبير يسع ماء كثيرا وقلب صغير إنما يسع بحسبه كالوادي الصغير فسالت أودية بقدرها واحتملت قلوب من الهدى والعلم بقدرها كما أن السيل إذا خالط الأرض ومر عليها احتملت (١٨) غثاء وزبدا فكذلك الهدى والعلم إذا خالط القلوب أثار ما فيها من الشهوات والشبهات ليقلعها ويذهبها كما يثير الدواء وقت شربه من البدن أخلاطه فتكرب (١٩) عنه بها شاربه وهي من تمام نفع الدواء فانه أثارها ليذهب بها فإنه لا يجامعها ولا يساكنها وهكذا (يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ) ثم ذكر المثل
_________
(١٣) من م (وثقلت) .
(١٤) من م (ولذلك) .
(١٥) يعنى بذلك الرافضة وهم غلاة الشيعة الذين يؤذون رسول الله بكراهية أصحابهه وسبهم.
(١٦) الرعد: ١٧.
(١٧) الامثال في الكتاب والسنة: ١٩.
(١٨) من م (احتمل) .
(١٩) من م (فيتكرر) وكربت الارض قلبهما للحدث مختار الصحاح ص ٥٦٦.
(*)
1 / 11
الناري فقال: (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ
مِثْلُهُ) (٢٠) وهو الخبث الذي يخرج عند سبك الذهب والفضة والنحاس والحديد (٢١) فتخرجه النار وتميزه وتفصله عن الجوهر الذي ينتفع به فيرمى ويطرح ويذهب جفاء فكذلك الشهوات والشبهات يرميها قلب المؤمن ويطرحها ويجفوها كما يطرح السيل والنار ذلك الزبد والغثاء والخبث ويستقر في قرار الوادي الماء الصافي الذي يسقي (٢٢) منه الناس ويزرعون ويسقون أنعامهم كذلك يستقر في قرار القلب وجذره الإيمان الخالص الصافي الذي ينفع صاحبه وينتفع به غيره (٢٣) (ومن لم يفقه هذين المثلين ولم يتدبرهما ويعرف ما يراد منهما فليس من أهلهما والله الموفق.
فصل: ومنها قوله تعالى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢٤) شبه سبحانه الحياة الدنيا في أنها تتزين في عين الناظر فتروقه بزينتها وتعجبه (٢٥) فيميل إليها ويهواها اغترارا منه بها حتى إذا ظن أنه مالك لها قادر عليها سلبها بغتة (٢٦) أحوج ما كان إليها وحيل بينه وبينها فشبهها
_________
(٢٠) الرعد: ١٧.
(٢١) تفسير النسفى ٢ / ٢٤٧، الطبري: ١٤ / ١٣٦.
(٢٢) من م، ع (يستقى) .
(٢٣) انظر تفسير الطبري ١٤ / ١٣٤، النسفى ٢ / ٢٤٧ وابن كثير ٢ / ٥٠٨ انظر مختار الصحاح ص ٥٠٩.
(٢٤) يونس: ٢٤.
(٢٥) في ع (فيروقه تزينها ويعجبه) .
(٢٦) إما بالموت وهذا ظاهر وإما بمرض ينزل بالمرء فلا يستفيد بها أو بآفة تجتاحها وتزيلها.
(*)
1 / 12
بالأرض الذي ينزل الغيث عليها فتعشب ويحسن نباتها ويروق منظرها للناظر فيغتر به ويظن أنه قادر عليها مالك لها فيأتيها أمر الله فتدرك نباتها الآفة بغتة فتصبح كأن لم تكن قبل فيخيب ظنه وتصبح يداه صفرا منهما فهكذا (٢٧) حال الدنيا والواثق بها سواء، وهذا من أبلغ التشبيه والقياس.
فلما كانت الدنيا عرضة لهذه الآفات والجنة سليمة منها قال تعالى تعالى: (والله يدعوا إِلَى دَارِ السَّلامِ) (٢٨) فسماها هنا دار السلام لسلامتها من هذه الآفات التي ذكرها في الدنيا فعم بالدعوة إليها وخص بالهداية من شاء فذلك عدله وهذا فضله (٢٩) .
فصل: ومنها قوله تعالى: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٣٠) فإنه ﷾ ذكر الكفار ووصفهم بأنهم ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ثم ذكر المؤمنين ووصفهم بالإيمان والعمل الصالح والإخبات إلى ربهم فوصفهم بعبودية الظاهر وبالباطن جعل أحد الفريقين كالأعمى والأصم من حيث كان قلبه أعمى عن رؤية الحق أصم عن سماعه فشبهت (٣١) بمن بصره أعمى عن رؤية أحق الأشياء (٣٢) وسمعه أصم عن سماع الأصوات والفريق الآخر بصير القلب سميعه كبصير العين وسميع الأذن فتضمنت الآية قياسين وتمثيلين للفريقين ثم نفى التسوية عن الفريقين بقوله (هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا) (٣٣) فصل: ومنها قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ) (٣٤) فذكر سبحانه إنهم ضعفاء وأن الذين اتخذوهم أولياء
_________
(٢٧) في م (فكذا) .
(٢٨) يونس: ٢٥
(٢٩) معترك الاقران ١ / ٤٦٧ وابن كثير ٢ / ٤١٣، والنسفي ٢ / ١٥٩ والطبري ١١ / ١٠٢.
(٣٠) هود: ٢٤.
(٣١) في م (فشبهه) .
(٣٢) في م، ع (رؤية الاشياء) .
(٣٣) هود: ٢٤ انظر تفسير الطبري ١٢ / ٢٥ وغرائب القرآن ١١ / ١٧.
(٣٤) العنكبوت: ٤١.
(*)
1 / 13
أضعف منهم فهم في ضعفهم وما قصدوه من اتخاذ الأولياء كالعنكبوت اتخذت بيتا وهو أوهن البيوت وأضعفها (٣٥) وتحت هذا المثل أن هؤلاء المشركين أضعف ما كانوا حيث اتخذوا من دون الله أولياء فلم يستفيدوا بمن اتخذوهم أولياء إلا ضعفا كما قال تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا.
كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) (٣٦)، وقال تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لعلهم ينصرون.
لا يستطيعون نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) (٣٧) وقال بعد أن ذكر هلاك الأمم المشركين: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ التي يدعون من دون الله من شئ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ» (٣٨)، فهذه أربعة مواضع في القرآن تدل على أن من اتخذ من دون الله وليا يتعزز به ويتكثر به ويستنصر به لم يحصل له به إلا ضد مقصوده وفي القرآن أكثر من ذلك، وهذا من أحسن الأمثال وأدلها على بطلان الشرك وخسارة صاحبه وحصوله على ضد مقصوده.
فإن قيل فهم (٣٩) يعلمون أن أوهن البيوت بيت العنكبوت فكيف نفى عنهم علم ذلك بقوله: (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) .
فالجواب أنه سبحانه لم ينف (٤٠) عنهم علمهم بوهن بيت العنكبوت وإنما نفى علمهم بأن اتخاذهم أولياء من دونه كالعنكبوت اتخذت بيتا فلو علموا ذلك لما فعلوه، ولكن ظنوا أن اتخاذهم الأولياء من دونه يفيدهم عزا وقوة فكان الأمر بخلاف ما ظنوا (٤١) .
_________
(٣٥) في ع (فانهم) .
(٣٦) مريم: ٨١: ٨٢.
(٣٧) يس: ٧٤، ٧٥.
(٣٨) هود: ١٠١.
(٣٩) في ع (فانهم) .
(٤٠) في الاصل (ينفى) والواجب حذفها.
(٤١) انظر الجمان ١٨٦ - الامثال ٢٧ - ٢٨ وتفسير ابن كثير ٣ / ٣١٤ والطبري ٢٠ / ١٥٢، ١٥٣.
1 / 14
فصل: ومنها قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (٤٢) ذكر سبحانه للكافرين مثلين مثلا بالسراب ومثلا بالظلمات المتراكمة وذلك لأن المعرضين عن الهدى والحق نوعان أحدهما من يظن أنه على شئ فيتبين له عند انكشاف الحقائق خلاف ما كان يظنه وهذه حال أهل الجهل وأهل البدع والأهواء الذين يظنون أنهم على هدى وعلم فإذا انكشفت الحقائق
تبين لهم أنهم لم يكونوا على شئ وأن عقائدهم (٤٣) وأعمالهم (٤٤) التي ترتبت عليها كانت كسراب يرى في أعين (٤٥) الناظرين ماء ولا حقيقة له وهكذا الأعمال (٤٦) التي لغير الله ﷿ وعلى غير أمره يحسبها العامل نافعة له (٤٧) وليست كذلك وهذه هي الأعمال التي قال الله ﷿ فيها: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٤٨»، وتأمل جعل الله سبحانه السراب بالقيعة وهي الأرض الخالية القفر من البناء والشجر
_________
(٤٢) النور: ٣٩ / ٤٠.
(٤٣) يقصد الجهمية.
(٤٤) قوله (ترتبت عليها ...) عليها الضمير يعود على أهل الجهل والبدع الذين يظنون أنهم على هدى ونور.
(٤٥) في م (كسراب بقيعة يرى في عين ...) .
() الاعمال التى ليست مطابقة لاوامر الله ويحسبها فاعلها أنها نافعة كاعمال أهل البدع والاهواء فلجهلهم يظنون أنها نافعة وفى الحقيقة أنها لا خير فيها.
(٧) الزيادة من م.
(٤٨) الفرقان: ٢٤.
(*)
1 / 15
والنبات (٤٩) والعالم فمحل السراب أرض قفر لا شئ (٥٠) بها والسراب لا حقيقة له وذلك مطابق لأعمالهم وقلوبهم التي أقفرت من الإيمان والهدى، وتأمل ما تحت قوله (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً والظمآن) (٥١) الذي اشتد عطشه فرأى السراب فظنه ماء فتبعه فلم يجده شيئا بل خانه أحوج ما كان إليه فكذلك هؤلاء لما كانت أعمالهم على غير طاعة الرسل (٥٢) عليهم الصلاة والسلام ولغير الله جعلت كالسراب فرفعت لهم أظمأ ما كانوا إليها (٥٣) فلم يجدوا شيئا
ووجدوا الله سبحانه (٥٤) ثم فجازاهم بأعمالهم ووفاهم حسابهم، وفي الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري (٥٥) ﵁ عن النبي ﷺ في حديث التجلي يوم القيامة (ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها السراب فيقال لليهود وما كنتم تعبدون؟ فيقولون كنا نعبد عزيرا ابن الله فيقال: كذبهم لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا فيقال اشربوا فيتساقطون في جهنم ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون فيقولون كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال: كذبتم ما كان لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: أن تسقينا فيقال لهم: اشربوا فيتساقطون، وذكر الحديث (٥٦) وهذه حال كل صاحب باطل فإنه يخونه باطله أحوج ما كان إليه فإن الباطل لا حقيقة له وهو كإسمه باطل فإذا كان الاعتقاد غير مطابق ولا حق كان متعلقه باطلا وكذلك إذا كانت غاية العمل باطلة (٥٧) كالعمل لغير الله ﷿ أو على غير أمره بطل
_________
(٤٩) العالم في هذه الجملة زائدة والصواب (والنبات فمحل السراب أرض القفر) .
(٥٠) في ع (فيها) .
(٥١) النور: ٣٩.
(٥٢) في م (الرسل) .
(٥٣) في م، ع (أظمأ ما كانوا وأحوج ما كانوا إليها) .
(٥٤) مقتبسة من قولة تعالى (ووجد الله عنده فوفاه حسابه) النور: ٣٩.
(٥٥) هو سعد بن مالك بن سنان الخدرى بايع تحت الشجرة.
وشهد ما بعد أحد انظر الاصابة لابن حجر ٣ / ٤١٤.
(٥٦) البخاري كتاب التوحيد ٤ / ٢٠١ ومسند أحمد ٣ / ١٦ / ١٧.
(٥٧) يعنى الاعمال.
(*)
1 / 16
العمل ببطلان غايته وتضرر عامله ببطلانه وبحصول ضد ما كان يؤمله فلم يذهب عليه عمله واعتقاده لا له ولا عليه بل صار معذبا بفوات نفعه وبحصول ضد النفع فلهذا قال تعالى (وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (٥٨) فهذا مثل الضال الذي يحسب (٥٩) أنه على هدى.
فصل: النوع الثاني أصحاب مثل الظلمات المتراكمة وهم الذين عرفوا الحق والهدى وآثروا عليه ظلمات الباطل والضلال فتراكمت عليه ظلمة الطبع وظلمة النفوس وظلمة الجهل حيث لم يعلموا بعلمهم فصاروا جاهلين وظلمة اتباع الغي والهوى فحالهم كحال من كان في بحر لجي لا ساحل له وقد غشيه موج ومن فوق ذلك الموج (٦٠) موج ومن فوقه سحاب مظلم فهو في ظلمة البحر وظلمة الموج وظلمة السحاب وهذا نظير ما هو فيه من الظلمات التي لم يخرجه الله منها إلى نور الإيمان، وهذان المثلان بالسراب الذي ظنه مادة الحياة وهو الماء والظلمات المضادة للنور نظير المثلين اللذين ضربهما للمنافقين والمؤمنين وهما المثل المائي والمثل الناري (٦١) وجعل حظ المؤمنين منهما الحياة والإشراق وحظ المنافقين منهما الظلمة المضادة للنور والموت المضاد للحياة فكذلك الكفار في هذين المثلين حظهم من الماء السراب الذي يغرر الناظر فيه (٦٢) ولا حقيقة له وحظهم الظلمات المتراكمة وهذا يجوز أن يكون المراد به حال كل طائفة من طوائف الكفار وأنهم عدموا مادة الحياة والإضاءة بإعراضهم عن الوحي فيكون المثلان صفتين لموصوف واحد ويجوز أن يكون المراد به تنويع (٦٣) أحوال الكفار وأن أصحاب المثل الأول هم الذين عملوا
_________
(٥٨) النور: ٣٩.
(٥٩) في ع (يحسب: يحسب عمله) .
(٦٠) كررنا (موج) لم تكون في الاصل.
(٦١) تفسير ابن كثير ٣ / ٢٩٦.
(٦٢) في م، ع (يغر الناظر) .
(٦٣) في ع (متنوع) .
(*)
1 / 17
على غير علم ولا بصيرة بل على جهل وحسن ظن بالأسلاف فكانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعا وأصحاب المثل الثاني هم الذين استحبوا الضلالة على الهدى وآثروا الباطل على الحق وعموا عنه بعد إذ أبصروه وجحدوه بعد أن عرفوه فهذا حال المغضوب عليهم والأول حال الضالين وحال الطائفتين مخالف لحال المنعم عليهم المذكورين في قوله تعالى: (اللَّهُ نور السموات وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ إلى قوله (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٦٤) فتضمنت الآيات أوصاف الفرق الثلاثة المنعم عليهم وهم أهل النور والضالين وهم أصحاب السراب والمغضوب عليهم وهم أهل الظلمات المتراكمة والله أعلم.
فالمثل الأول من المثلين لأصحاب العمل الباطل الذي لا ينفع، (٦٥) فأولئك أصحاب العمل الباطل وهؤلاء أصحاب العمل الذي لا ينفع والاعتقادات الباطلة وكلاهما مضاد للهدى ودين الحق ولهذا مثل حال الفريق الثاني في تلاطم أمواج الشكوك والشبهات والعلوم الفاسدة في قلوبهم بتلاطم أمواج البحر فيه وأنها أمواج متراكمة من فوقها سحاب مظلم وهكذا أمواج الشكوك والشبه في قلوبهم المظلمة التي قد تراكمت عليها سحب الغي والهوى والباطل فليتدبر اللبيب أحوال الفريقين وليطابق بينهما وبين المثلين يعرف عظمة القرآن وجلاله وأنه تنزيل من حكيم حميد.
وأخبر سبحانه أن الموجب لذلك
أنه لم يجعل لهم نورا (٦٦) بل تركهم على الظلمة التي خلقوا فيها فلم يخرجهم منها إلى النور فإنه سبحانه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، وفي المسند من حديث عبد الله بن عمر (٦٧) ﵄ أن النبي ﷺ
_________
(٦٤) النور: ٣٨.
انظر تفسير الكشاف ص ٦٧.
(٦٥) سقط من الطبع (والمثل الثاني لاصحاب العلوم والنظرو الابحاث الذى (التى) لا تنفع) .
(٦٦) راجع تفسير الكشاف ٣ / ٦٧.
(٦٧) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوى أبو عبد الرحمن راجع تجريد أسماء الصحابة للذهبي ج ١ / ٣٢٥.
1 / 18
قال: (إن الله خلق خلقه في ظلمة وألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل) (٦٨) فلذلك أقول جف القلم على علم الله فالله سبحانه خلق الخلق في ظلمة فمن أراد هدايته جعل له نورا وجوديا يحيى به قلبه وروحه كما يحيى بدنه بالروح التي ينفخها فيه فهي (٦٩) حياتان حياة البدن بالروح وحياة الروح والقلب بالنور ولهذا سمى الله الوحي روحا لتوقف الحياة الحقيقية عليه كما قال تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) (٧٠) وقال: (يلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) (٧١) وقال: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا) (٧٢) فجعل وحيه روحا ونورا فمن لم يحيه بهذا الروح فهو ميت ومن لم يجعل له نورا منه فهو في الظلمات ماله من نور) (٧٣) فصل: ومنها قوله تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) (٧٤) فشبه أكثر الناس بالأنعام
والجامع بين النوعين التساوي في عدم قبول الهدى والانقياد له وجعل الأكثرين أضل سبيلا من الأنعام لأن البهيمة يهديها سائقها فتهتدي وتتبع الطريق (٧٥) فلا تحيد عنها يمينا ولا شمالا والأكثرون يدعونهم الرسل ويهدونهم السبيل فلا
_________
(٦٨) المسند ٢ / ١٧٦ وسنن الترمذي ٣٨ باب ١٨ ومستدرك الحاكم وضعفه السيوطي.
(٦٩) في م، ع (فهما) .
(٧٠) النحل: ٢.
(٧١) غافر: ١٥.
(٧٢) الشورى: ٥٢.
(٧٣) انظر الامثال ٢٦: ٢٧، الجمان ١٧٧ - ١٨٠، تفسير الطبري ١٨ / ١٤٨ وابن كثير ٢ / ٢٩٦.
(٧٤) الفرقان: ٤٤.
(٧٥) راجع تفسير الكشاف ح ٣ / ٩٤.
1 / 19
يستجيبون ولا يهتدون ولا يفرقون بين ما يضرهم وبين ما ينفعهم والأنعام تفرق بين ما يضرها من النبات والطريق فتجتنبه وما ينفعها فتؤثره والله تعالى لم يخلق للأنعام قلوبا تعقل بها ولا ألسنة تنطق بها (٧٦) وأعطى ذلك لهؤلاء ثم لم ينتفعوا بما جعل لهم من العقول والقلوب والألسنة والأسماع والأبصار فهم أضل من البهائم فإن من لا يهتدي إلى الرشد وإلى الطريق مع الدليل له (٧٧) أضل وأسوأ حالا ممن لا يهتدي حيث لا دليل معه.
فصل: ومنها قوله تعالى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٧٨) وهذا دليل قياسي احتج
الله سبحانه به على المشركين حيث جعلوا له من عبيده وملكه شركاء فأقام عليهم حجة يعرفون صحتها (٧٩) من نفوسهم ولا يحتاجون فيها إلى غيرهم ومن أبلغ الحجاج أن يأخذ الإنسان من نفسه ويحتج عليه بما هو في نفسه مقرر عندهم (٨٠) معلوم لها فقال (هَلْ لكم من ما ملكت أيمانكم من) (٨١) عبيدكم وإمائكم شركاء في المال والأهل أي هل يشارككم عبيدكم في أموالكم وأهليكم فأنتم وهم في ذلك سواء تخافون (٨٢) أن يقاسموكم أموالكم ويشاطروكم إياها، ويستأثرون ببعضها عليكم كما يخاف الشريك شريكه وقال ابن عباس (٨٣): (تخافون أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا) والمعنى هل
_________
(٧٦) في ع (تتكلم بها) .
(٧٧) في ع، م (إليه) .
(٧٨) الروم: ٢٨.
(٧٩) راجع الكشاف ٣ / ٢٢١.
(٨٠) في م (عندها) .
(٨١) الروم: ٢٨ وفى الاصل وردت محرفة (من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء) .
(٨٢) في م (تخافون) انظر الطبري ٢١ / ٣٩ والبغوى ٥ / ٢٠٧.
(٨٣) انظر الطبري ٢١ / ٣٩ والخازن والبغوى ٥ / ٢٠٧.
(*)
1 / 20
هل يرضى أحد منكم أن يكون عبده شريكه في ماله وأهله حتى يساويه في التصرف في ذلك فهو يخاف أن ينفرد في ماله بأمر يتصرف فيه كما يخاف غيره من الشركاء والأحرار فإذا لم ترضوا ذلك لأنفسكم فلم عدلتم بي من خلقي من هو مملوك لي فإن كان هذا الحكم باطلا في فطركم (٨٤) وعقولكم مع أنه جائز عليكم ممكن في حقكم إذ ليس عبيدكم ملكا لكم حقيقة وإنما هم إخوانكم
جعلهم الله تحت أيديكم وأنتم وهم عبادي (٨٥) (فكيف) (٨٦) تستجيزون مثل هذا الحكم في حقي مع أن من جعلتموهم لي شركاء عبيدي وملكي وخلقي فهكذا يكون تفصيل الآيات لأولي العقول (٨٦) .
فصل: ومنها قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ.
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٨٨) .
هذان مثلان متضمنان قياسين من قياس العكس وهو نفى الحكم لنفي علته وموجبه، فإن القياس نوعان: قياس طرد يقتضي اثبات الحكم في الفرع لثبوت علة الأصل فيه وقياس عكس يقتضي نفي الحكم عن الفرع لنفي علة الحكم فيه فالمثل الأول ما ضربه الله سبحانه لنفسه وللأوثان فالله سبحانه هو المالك لكل شئ ينفق كيف يشاء على عبيده سرا وجهرا ليلا ونهارا يمينه ملأى لا تغضيها إلا نفقة سحاء الليل والنهار والأوثان مملوكة عاجزة لا تقدر على شئ فكيف تجعلونها شركاء لي وتعبدونها من دوني مع هذا التفاوت العظيم والفرق المبين هذا قول مجاهد وغيره (٨٩)، وقال ابن
_________
(٨٤) خاطركم.
(٨٥) في م (عبيد لى) .
(٨٦) زيادة من م.
(٨٧) انظر تفسير ابن كثير، ٢١ / ٣٨ والطبري ٣٨ والامثال: ٢٨.
(٨٨) النحل: ٧٥، ٧٦ انظر الزمخشري ٢ / ٤٢٠ - ٤٢١.
(٨٩) انظر تفسير الطبري ١٤ / ١٤٩ - ١٥٠ وابن كثير ٢ / ٥٧٨.
(*)
1 / 21
عباس (٩٠) وهو مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر، ومثل المؤمن في الخير الذي عنده ثم رزقه منه رزقا حسنا فهو ينفق منه على نفسه وعلى غيره سرا وجهرا والكفار بمنزلة عبد مملوك (عاجز) (٩١) لا يقدر على شئ لأنه لا خير عنده فهل يستوي الرجلان عند أحد من العقلاء؟، والقول الأول أشبه بالمراد فأنه أظهر في بطلان الشرك وأوضح عند المخاطب وأعظم في إقامة الحجة وأقرب نسبا (٩٢) بقوله: (ويعبدون من دون الله مالا يملك لهم رزقا من السموات وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ.
فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٩٣) ثم قال: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ) ومن لوازم هذا المثل وأحكامه أن يكون المؤمن الموحد كمن رزقه منه رزقا حسنا والكافر المشرك كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شئ فهذا مما نبه عليه المثل وأرشد إليه فذكره ابن عباس منبها على إرادته لأن (٩٤) الآية اختصت به فتأمله فإنك تجده كثيرا في كلام ابن عباس (٩٥) وغيره من السلف في فهم القرآن، فيظن الظان أن ذلك معنى الآية التي لا معنى لها غيره فيحكيه قوله (٩٦) .
فصل: وأما المثل الثاني فهو مثل ضربه الله سبحانه لنفسه ولما يعبدون (٩٧) من دونه أيضا، فالصنم الذي يعبدون من دونه (٩٨) بنزلة رجل أبكم لا يعقل ولا ينطق بل هو أبكم القلب واللسان قد عدم النطق القلبي
_________
(٩٠) انظر زاد المسير ٤ / ٤٧٤ وابن كثير ٢ / ٥٧٨ والطبري ١٤ / ١٤٩.
(٩١) مزيدة من م، ع.
(٩٢) من م (منها) .
(٩٣) النحل: ٧٣، ٧٤.
(٩٤) في م، ع (لا أن الاية) .
(٩٥) لقب بالحبر والبحر ابن عم رسول الله ودعا له رسول الله ﷺ (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) ولقد كان ذلك.
(٩٦) الطبري ١٤ / ١٤٨ - ١٥١.
(٩٧) في م (يعبد) .
(٩٨) في م (دون الله) وفى ع (من دون الله) .
(*)
1 / 22