على الذي تريدينه، فإن شئت أن تبقوا عندنا فعلى الرحب والسعة، ونحن ندافع عنك وعن أولادك بسيوفنا ورماحنا ونبذل جهدنا في مرضاتكم ومسرتكم، وإن شئتم أن نرحل بكم إلى مكان آخر رحلنا، وأينما ذهبنا فكلنا في خدمتك وخدمة أولادك، وغاية ما نتمناه رضاؤك ورضاء الأميرة سلمى (قال ذلك ونظر إليها).
وكان واقفا ويده اليسرى على مقبض سيفه، ويده اليمنى مطلقة يشير بها حينما يتكلم، وهو كهل في نحو الأربعين من العمر، قصير القامة أسود الشعر أسمر الوجه براق العينين خفيف اللحية عصبي المزاج.
فقالت الأميرة هند: لماذا تكلمنا وأنت واقف مع أننا أسراك؟ ولماذا لا تجلس وتستريح؟
فرفع يده إلى رأسه وقال: العفو يا مولاتي، بل أنا أسيركم، ولكن ما دمت قد أمرتني بالجلوس فأنا أجلس إطاعة للأمر.
ثم جلس مكانه متربعا ووضع سيفه على حضنه، ونادى خادمه فأتاه بشبق قصير فمه من الكهرباء وماسورته من الكرز، فمص منه مصتين، وأتاهم خادم آخر بالقهوة، فقدمها للأميرة هند أولا، ثم للأميرة سلمى وأخويها فتناولتها الأميرة هند منه، وأما الأميرة سلمى فاعتذرت عن شربها وكذلك اعتذر أخواها.
ولما شربت الأميرة هند بعض فنجانها قالت له: يا حبذا لو كنت توصلنا إلى الشام «دمشق»، فنظر إليها مستغربا، وقال: ألم يبلغكم ما حدث في الشام؟ فقد حدث فيها أكثر مما حدث في حاصبيا.
فلما سمعت هذا الكلام صرخت قائلة: ماذا تقول؟! أقتلوا نصارى الشام أيضا؟! وارتجفت يدها ووقع الفنجان منها وضربت بيدها على المسند، وقالت: قلت لأحمد إن هذا العمل كله بدسيسة، والغرض منه قتل كل النصارى فلم يصدقني.
ثم ألقت رأسها على يدها وقالت: الله يجازيهم، الله يجازي الذي كان السبب! ما هذه المصيبة؟ ما هذه البلية؟ أين أهلي الآن؟ أين إخوتي وأخواتي وأولاد عمي وأولاد خالي؟!
وقالت له الأميرة سلمى: هل أنتم على يقين من صحة هذا الخبر؟
فقال: نعم وقد سمعته من أكثر من واحد من الذين كانوا هناك، وقد أرسل إلينا والي دمشق لنزحف مع دروز حوران على جبل لبنان، فلم أشأ أن أفعل ذلك؛ لأن الدروز أعداؤنا ولا أركن إليهم، ولم أفهم ما هو غرض الوالي من ذلك، ولا كيف استحل قتل الآمنين في دار الولاية نفسها. ونحن نشكر الله لأننا في هذا القفر مستغنون عن الشام وعن النزول إليها، وبلادنا الآن قاحلة لأننا في فصل الخريف، ولكن متى جاء الربيع تجديها من جنان الخلد، وسترينها في ذلك الفصل إن شاء الله. (قال ذلك موجها كلامه إلى الأميرة سلمى.)
Unknown page