فكان لكلامها وقع عظيم في نفوسهم فأجلسوها وسكنوا روعها، وسألوها عن قصة الأمير الإنكليزي، فأكدت لهم أن في دار قنصل الإنكليز في بيروت أميرا إنكليزيا من أولاد عم ملكة الإنكليز، وهو خطيب الأميرة سلمى، وقد سافر أبوها بها على غير علمه، وأنه لا بد وأن يكون آتيا الآن بالعساكر للتفتيش عنها، فطيبوا خاطرها وجعلوا يتداولون في إيصال هذا الخبر إلى الأمير حسان.
أما الأمير عمر فصمت ولم يعد يتكلم؛ لأنه رأى أنه إن كان ذلك ينجيه من خصم يكرهه هو وتكرهه الأميرة سلمى أيضا، فهو يوقعه في خصم آخر تحبه الأميرة سلمى، ولا يمكن نجاتها منه، فرأى أن الآمال التي أحياها في فؤاده أماني فارغة وأضغاث أحلام، فلم يعرف كيف يتقي النبال؛ فشل وخذلان وأسر وذل، ثم هو مضطر أن يحمل العار لينقذ فتاة تكون لغيره ولا يعود يراها في حياته، فوجم ولم يعد يتكلم، وظن رجاله أنه كان يفكر في طريقة لإنقاذ الأسرى من غير فكاك فصمتوا هم أيضا، ثم نظروا إليه يستوضحونه رأيه، فقال وهو لا يدري ما يقول: أرسلوا اعرضوا عليه الفكاك، وخذوا من مالي خمسمائة جمل أو أكثر، حسب دواعي الحال، وأخبروه أن الأميرة سلمى مخطوبة لأمير إنكليزي، وأنه لا بد وأن يكون آتيا الآن بعساكر الإنكليز ومدافعهم، وهو يعلم ما حل به وبرجاله يوم خربوا عكاء، وإن فسح الله لي في الأجل أخذت ثأري بيدي، وإلا تركت ثأري لكم لتأخذوه بعدي، وقد عاودتني الحمى الآن ولا أدري ماذا أقول. ثم اتكأ على ذراعه وأسند رأسه إلى كتفه. وقام رجاله وتشاوروا ساعة من الزمان، ثم أرسلوا ثلاثة منهم ومعهم رايات بيضاء ليعرضوا الفكاك على الأمير حسان ويخبروه بقصة الأمير الإنكليزي.
وكان قد وصل إلى القبيلة شاعر دمشقي، فنظم أبياتا في واقعة الحال وأنشدها الأمير عمر يعزيه بها عما حل به ومنها قوله:
تعز فإن الصبر بالحر أجمل
وليس على ريب الزمان معول
فلو كان يغني أن يرى المرء جازعا
لحادثة أو كان يغني التذلل
إذن فالتعزي عند كل مصيبة
ونائبة بالحر أولى وأجمل
فكيف وكل ليس يعدو حمامه
Unknown page