وكان العضو النائب عن لنكشير قد طلب من مجلس النواب أن ينظر فيما شاع عن قرب نشوب الحرب في سورية، وعما يقال عن دسائس بعض الدول الأوروبية رغبة في احتلال تلك البلاد وإقفال أبوابها دون التجارة الإنكليزية، فلما حانت الفرصة للمناقشة في هذا الموضوع نهض وقال: إن لنا في سورية تجارة واسعة، فنرسل إلى مدينة بيروت في السنة ما ثمنه أكثر من ستمائة ألف جنيه، فإذا نشبت حرب أهلية هناك بارت تجارتنا، وإذا استولت عليها دولة أوروبية فقولوا على تجارتنا السلام، وأنا أسأل الرئيس عما عنده من الأخبار في هذا الصدد، وعن التحوطات التي اتخذتها الحكومة لمنع هذا الضرر عن التجارة الإنكليزية.
فقال الرئيس: إن الوزارة مهتمة بهذا الأمر تمام الاهتمام، وقد عقدت لجنة للبحث فيه، ومتى علمت الخبر اليقين لا تضن بإطلاع المجلس عليه.
فقال العضو: إننا لا نكتفي باطلاعنا على الأخبار؛ لأن عملاءنا في تلك البلاد يكتبون لنا بأخبارها كل أسبوع، ونحن نعلمها كما تعلمها الوزارة، وإنما يهمنا أن تتخذ الحكومة التدابير اللازمة لمنع الحرب الأهلية، وأن تذاكر الحكومة الطامعة باحتلال سورية، وتكف يدها عن ذلك.
فقال الرئيس: إن الوزارة مهتمة بهذه المسائل كلها، وهي ترجو أن تطرح على المجلس نتيجة أعمالها بعد وقت غير بعيد، ولا يخفى على حضرة العضو الكريم أن الوزارة تهتم بكل أمر له علاقة بنا، ولكنها لا تكفل النجاح في كل أمر؛ لأن زمام الدنيا ليس في يدنا.
ونهض المستر غلادستون حينئذ وكان ناظرا للمالية، وقال: إن مالية البلاد لا تمكن الوزارة من عمل كل ما تتمناه، ولكن الوزارة لا تضن بإنفاق المال إذا كان إنفاقه واجبا لتعزيز قوة البلاد وحفظ متاجرها. ثم قال: ولا يخفى على حضرة العضو الكريم أن جيوشنا تحارب الآن في بلاد الصين مع جيوش الدولة التي أشار إليها، ولنا كلينا مصلحة فلا ننتظر منها أن تسعى في عمل يكون من ورائه الإضرار بنا.
ففهم الأعضاء مع كلامه تهديدا خفيا، ولكنه لطيف لا يؤاخذ به.
وفي اليوم التالي اجتمعت اللجنة برئاسة لورد رسل وزير الخارجية، ونظرت فيما كتبه سفير إنكلترا في الأستانة عن ثورة الأفكار التي يراد بها خلع السلطان عبد المجيد بأية واسطة كانت، ولو بالتنكيل بالمسيحيين حتى تنهض دول أوروبا وتنتصر لهم، وفيما كتبه قنصلها في بيروت عن سعي فرنسا المتواصل في تحريض موارنة الجبل على مقاومة القوة بالقوة، ثم نظرت في تقرير غرفة التجارة عما تستورده سورية من منسوجات إنكلترا، وما تصدره إليها من الصوف وعرق السوس، وبعد بحث طويل في هذا الموضوع قر رأيها على ما تكتب به إلى سفيرها في الأستانة، وإلى سفيرها في باريس، وخلاصته السعي في منع الحرب الأهلية بكل واسطة ممكنة وحمل الدروز على الإخلاد إلى السكينة، وعدم الاغترار بمواعيد الولاة الذين يعدونهم بالمساعدة. •••
وفي تلك الليلة اجتمع جماعة من الماليين عند واحد منهم، ودار البحث على القرض الأخير الذي عقدته فرنسا، والقرض الثاني الذي طلبه فكتور عمانوئيل ملك سردينيا؛ ليستعين به على ضم ممالك إيطاليا بعضها إلى بعض.
فقال أحد الحضور واسمه ابن حاييم: إن القرض الأول مكن فكتور عمانوئيل من التغلب على النمسا، فإذا تيسر له بهذا القرض الثاني أن يضم ممالك إيطاليا بعضها إلى بعض، ويصير ملكا عليها كلها، نكون قد خدمنا أسرة سافوى خدمة لا مثيل لها جزاء دفاعها عنا.
وقال آخر: ليس من غرضنا أن نخدمه أو لا نخدمه، بل أن نستثمر أموالنا في بلاد نأمن عليها فيها، أما فرنسا فماليتها ثابتة وشعبها مجتهد مقتصد ولا خوف عليها مهما زاد دينها، وأما إيطاليا فبلاد فقيرة وأكثر خيراتها تذهب إلى خدمة الدين فيها، ولو علمنا أن حياة كاڤور تطول عشرين سنة أخرى لوثقنا أنه يصلح البلاد، ويبني مالية الحكومة على أساس وطيد، أما وأحوال إيطاليا لا تزال مرتبكة، والسلطة الدينية قوية فيها فلا يحسن المجازفة في تديين المال لها.
Unknown page