147

Amin Rihani

أمين الريحاني: ناشر فلسفة الشرق في بلاد الغرب

Genres

إذا نضبت في البلاد الأنهار، واستحالت السماء نحاسا حاميا ترسل أشعة شمسها نقمة وانتقاما، فتحرق الأشجار، وتأكل النبات، وتجفف الأرض، وتجعل الحقول كالصحراء، يحدث في الناس مجاعة لا يد جانية فيها للإنسان.

وإذا غزا الجراد زرع أمة ومروجها، يلتهم الأخضر واليابس كشمس النفود في الصيف، فلا يترك وراءه شيئا يصلح للغذاء، يحدث في البلاد مجاعة لا يد أثيمة فيها للإنسان.

وإذا ألقى الوباء في أمة عصاه، وشرع يفتك فيها فتكا ذريعا، أوجب عليها النطاق الصحي فأبعدها من خيرات الأرض خارج تخومها، فقد تجهز عليها مجاعة لا يد جانية فيها للإنسان.

وإذا كانت أمة في حرب، فحاصرها العدو وحبس عنها الزاد، فأبت التسليم صاغرة، فقد تهلك جوعا ولا ذنب في ذلك على العدو أو عليها.

أما إذا وطأ الجيش المحاصر أرضها، وأبت البقية الباقية الرضوخ والاستكانة ملجة في العصيان، فقد يتخذ الفاتح التجويع طريقة للاستيلاء التام، وقد يكون الذنب في ذلك عليها.

ولكن أمة طائعة أولياء أمرها، أمة مخلدة إلى السكينة، أمة بريئة طاهرة الذيل، تربأ على الضيم صبورة، سكوتة، جلودة، تربتها في الأقل لم تزل جيدة، أنهارها لم تزل جارية، سماؤها لم تزل مقيمة على عهودها ترسل غيثها خيرا شتاء ربيعا، في مثل هذه الأمة لا تحدث مجاعة إلا لأحد أمرين: لجهل فيها، أو لجور في أولياء أمرها.

والمجاعة التي لا يد فيها للطبيعة أو للقضاء أو لله، إنما هي جناية الإنسان الكبرى على أخيه الإنسان.

إن خيرات الأرض لتكفي أبناء الأرض، وإن التكافل والتعاون لمن أوليات الوجود الإنساني الحضري منه والمدني، فإذا أغفلنا الآن البحث في أسباب المجاعة، ونظرنا في نتائجها فقط، تحتم علينا النظر أيضا في الطرائق الفعالة لإزالتها، ولإزالتها سريعا.

أمة صغيرة في بقعة قصية من الأرض تتضور اليوم جوعا، وأمة كبيرة عزيزة الشأن، عظيمة الصولة، يفيض عنها من خيراتها، أليس من العدل إذن - بل من الواجب المقدس - أن نأخذ مما فاض عن هذه لنطعم تلك الجائعة؟ نعم، وما يصح في الأمم يصح في الأفراد. وهذا التعديل في خيرات الأرض عدل لا فضل فيه لمن أعطى، ولا شكر عليه ممن قبل العطاء.

الأمة المنكوبة أمتنا أيها الناس، الجياع فيها إخواننا، وإن الفائض عنا اليوم لا حق لنا به البتة، لا والله، ليس ما فاض من خيرنا اليوم لنا، بل هو للجياع في بلادنا، ولو كنت من أولي السيادة والسلطان لأخذت اليوم من شبعان لأطعم الجائع، لفرضت على كل سوري مقدارا من المال يدفعه راضيا أو مكرها.

Unknown page