Amin Khuli
أمين الخولي والأبعاد الفلسفية للتجديد
Genres
أو قل علاقات كل قارئ، كل عصر يدخل في العلاقة الموائمة لحيثياته. النص مادة خام، قالب يتسع لمضامين عديدة، ويكتسب مضمونا محددا حين يتحدث المفسر القارئ نيابة عنه، يتحدث بلغته، لغة الحاضر، ودون مشاركة الحاضر يتجمد النص وتتخلخل علاقته بالواقع. إن التأويل والتفسير يملؤه بالمضمون طبقا لما أسماه الفقهاء في تراثنا: (المقاصد العامة).
هكذا يظل النص ظاهرة حية باستمرار. إن النص - أي نص - تنتهي مهمة تصنيفه، أو تنتهي مهمة الكاتب بخروج النص. أما القراءة، التأويل والتفسير فمهمة مستمرة، إمكانية مفتوحة دوما لفهم جديد، لتفسير أو تأويل جديد.
هكذا تحولت ظاهريات النصوص إلى علم مستقل هو الهيرمنيوطيقا، يستفيد من علوم إنسانية عديدة، وبنفس القدر يفيدها. وتصب فيه نظريات المعرفة والوجود والقيمة على السواء، وإن كان أوثق اتصالا بنظرية المعرفة. ولكن لعلنا لاحظنا أن أمين الخولي يركز أيضا على اتصال علم النفس بالذات بالتفسير وتأويل النصوص الأدبية، وعلى رأسها جميعا القرآن الكريم.
لقد أتى أقوى السائرين في الخط الهيدجري، وهو هانز جيورج جادامر
H. G. Gadamer
بكتابه الرائد «الحقيقة والمنهج»
Wahrheit Und Methode (1960)، فتستوي الهيرمنيوطيقا منهاجا فعالا، قيل إنه يوازي في خطورته وأهميته المنهاج العلمي التجريبي. فهذا الأخير لتناول الواقع الفيزيقي والحيوي، أما الهيرمنيوطيقا فمنهاج لتناول النصوص، وهي واقع إنساني لا يقل عينية وتجسدا وأهمية وصعوبة مراس، إن لم يزد.
12
وبفضل هذه الصبغة المنهجية الطاغية أصبحت الهيرمنيوطيقا علما له مدارسه، واتجاها واسعا مارس سيطرة كبيرة على الأجواء الثقافية ومدارس النقد الأدبي في العقدين الأخيرين.
إنه علم يقوم على إلغاء التباعد بين القارئ والنص، أو ما يتمثل في فلسفة المناهج المعاصرة من إلغاء للتباعد بين الذات والموضوع الذي وقعت في إساره الفلسفة الحديثة. وبالتالي فهم النص ليس كموضوع مفارق، بل في سياق إنتاجه وفي أفق المتلقي له، فتتعدد مدلولاته بتعدد آفاق المتلقين باختلاف الأزمنة والأمكنة. ويبقى النص معينا لا ينضب أبدا وإمكانية متجددة دوما.
Unknown page