Amin Khuli
أمين الخولي والأبعاد الفلسفية للتجديد
Genres
57
وأولا:
امتداد دعوة الإسلام أفقيا إلى الناس جميعا، ورأسيا مع توالي الأزمنة والأجيال. وهذا الاتساع الزماني المكاني يجعل مواجهة الإسلام للتغيرات لا مفر منها، فالبيئات المتغيرة لها حاجات متغيرة ومتطورة، والإسلام قادر دائما على سد حاجات كل عصر وكل أمة.
من هنا كان الاجتهاد أساس الحياة الإسلامية لمواجهة التغيرات، حتى قيل إن علم أصول الفقه ما هو إلا تدريب على الاجتهاد. واحترم الإسلام المحاولات الإنسانية لاستنباط حلول لمشكلاتهم العارضة، وكان لكل مجتهد نصيب. والاعتراف بحق الإنسان في تفسير وتدبير حياته، فقرر الرسول الكريم
صلى الله عليه وسلم
أن الناس أعلم بشئون دنياهم. وللتدبير الإسلامي توجهات عامة تهدف لخير الإنسان وصلاحه، وتتيح اختلافا بين الأئمة؛ رحمة بالأمة، وليس حسما لتفاصيل جزئية لتتكبل كل إمكانيات التغير والتطور.
وثانيا:
بينما تخوض العقائد البدائية والأديان الأخرى في تفصيليات غيبية وتوصيفات جزئية لقصة الخلق ووقائع حيوات الرسل، كانت أقوى الأسس التي تهيئ الإسلام للتطور المحتوم هي اقتصاد دعوته في الغيبيات واكتفاؤه بالإجمال العام فيما يجب الإيمان به، كالله والملائكة واليوم الآخر. هذا الوضوح واليسر في العقيدة لا يدع فرصة للصدام بينها وبين ما يستطيع الإنسان اكتشافه من قوانين الطبيعة، مما يجعل الإسلام أكثر من سواه مسايرة للتجديد والتطوير. ولم يذكر الإسلام في كتابه الكريم شيئا عن نشأة الحياة على سطح الأرض وأطوار الإنسان (وهذا العنصر محوري لبحثنا هذا ما دام ينطلق من تشغيل الخولي لخطوط نظرية التطور البيولوجية). وأخيرا عدم تورط الإسلام في تفاصيل تاريخ الأمم والرسل، فلا يعنى القرآن بتحديد مكان وزمان الحادث، اكتفاء بالدلالة العامة والدرس الحضاري المستفاد.
هذه الأسس تجعل الإسلام مسايرا لنظرية التطور، وللتطور ذاته في الحياة وفي العلوم، فلا مناوأة لقانون الوجود. يقول الخولي: «إذا ما شعر الإسلام أنه يستطيع أن يمضي مع أصحاب التاريخ دون تأزم، كما مضى مع أصحاب طبقات الأرض دون أزمة، وكما مضى مع أصحاب العلم الطبيعي دون ارتباك، فإنه ليستطيع أن يتقدم على تطور الحياة منطلقا مطمئنا.»
58
Unknown page