والرفق يمن والأناة سعادة ... فتأن في رفق تلاق نجاحا وفي الأمثال: الرفق يمن والخرق شؤم. أنشدني عبد السلام:
ولا تعجل بأمر الشك حتى ... تبين والظهور لها بطون
ولا تعجل بأمرك قبل حين ... فعند الحين تنقطع الظنون
قال بعض الحكماء: إياك والعجلة فإنها خرق والخرق شؤم. وعليك بالأناة فإن يمن. وكان يقال: الزلل من العجل.
وإذا هممت بأمر شر فاتئد ... وإذا هممت بأمر خير فاعجل
وليس من هذا الباب ولكنه ظريف.
قد يدرك المبطئ من حقه ... والنجح قد يسبق جهد الحريص
وهذا المعنى من باب المقادير وقد ذكرناه فيه. وكان يقال فيه: إن من الحزم والأناة التثبت، وإن العجلة لا تزال تورث أهلها حسرة وندامة. قال: وأنشدت:
اصبر على مضض الإدلاج بالسحر ... وبالرواح على الحاجات والبكر
السائر في هذا المعنى قول الشاعر:
تأمل ولا تعجل بأمر تريده ... فإن للفتى من أمره ما تأملا
ولعبيد الله: من عجلت إلى مدحه فلما كشفته اضطررت إلى مقته. ابن جدعان:
ربما عاجل يخالف نجحا ... وبطيء يصيب يوما نجاحا
قال بعض البلغاء: العجول مخطئ وإن أصاب. فكيف إذا أخفق؟ وقال: العجلة من الشيطان. لا تغرنك إصابتك مع العجلة، ولا يسوءنك إخطاؤك من التأني والرفق. فإنك إذا عجلت فأصبت وافقت إصابتك قدرا لا محيص عنه. ولو لم تعجل لبلغت المراد كما بلغته لما عجلت، وغن كان ما أردت متعذرا في حال الرفق فهو مع العجلة اشد تعذرا، لأن العجلة رهق والتؤدة تأمل وبصيرة.
باب اختيار المأمول
قال النبي صلى الله عليه: (إذا طلبتم الحوائج فعليكم بحسان الوجوه. فأخذ معناه شاعر فقال:
لوجه المرء ذي الخلق المصفى ... على ما ثم من خير دليل
كما قال الرسول رسول ربي ... وقد صدق الإله والرسول
عليكم بالحوائج فاطلبوها ... إلى من وجهه حسن جميل
آخر:
حسن ظني إليك أسعدك الله ... دعاني فلا عدمت صلاحا
ودعاني إليك قول رسول الله ... إذ قال مفصحا إفصاحا
إن طلبتم حوائجا عند ثوم ... فتنقوا لها الوجوه الصباحا
ولعمري لقد تنقيت وجها ... ما به خاب من أراد النجاحا
وقال ابن عباس: لا تطلبن إلى أعمى حاجة ولا تطلبنها بالليل من البصير. فإذا طلبتها فاستقبلها بوجهك. فإن الحياء في العينين. عطاء بن ميسرة قال: الحوائج من عند الشبان أسهل منها عند المشايخ. ثم تلا هذه الآية من قول يوسف: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم). وقول يعقوب: ( سوف أستغفر لكم ربي). وكان ياقل: لا تنزل حوائجك بالجيد اللسان ولا بالمتسرع إلى الضمان فإن العجز مقصور على التسرع ومن وثق بجودة لسانه ظن أن في فصل بيانه ما ينوب عن عذره وأن وعده يقوم مقام حجته. قال وهب نب منبه: مكتوب في التوراة: يا ابن آدم لا تسأل الناس، وغن كنت لا بد فاعلا فسل معادن الخير ترجع مغبوطا؟ ومحسودا. ولا تسأل معادن الشر فترجع مغلوبا محسورا. ابن حازم:
لا تسألن المال عند امرئ ... أصاب اليسارة من كده
ولكن سل المال عند امرىء ... إذا أورث المال عن جده
كان يقال: أبو كبسة أقوم مسنان. يقول: لا تستقرض رجلا حديث عهد بالنعمة. إنه سيء الاقتضاء قليل النظيرة مستكثر للقليل يخشى من الفقر الذي جرب وعرف. وتقول العامة في كلامها: لا يلتمس الحوائج عند من لا يأكل من مائدة أبيه.
وفي شبيه بهذا المعنى قول العجاج في رجل مدحه:
في معدن الملك القديم الكرس ... ليس بمقلوع ولا منحس
أي في معدن الملك الذي قد توارثه آخر عن اول.
ولو كنت إذ أفنيت أيامي في التردد إلى فلان ووقفت أملي عليه قدمت للروية في الاتياد وأصبت مطية النجح ما أكدى مطلبي، ولا أخطأت فراستي. ولكني وردت عليه بغير بصيرة فكانت عاقبة أمري خسرا، أو أكسبني ذلك نقيصة وذما. فتبارك الله رب العالمين.
Page 12