ثم مشى حتى أتى أهل التمر(1)، فإذا هو بجارية تبكي، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: بعثني مولاي بدرهم فابتعت من هذا تمرا، فأتيتهم به فلم يرضوه، فلما أتيته به أبى أن يقبله. فقال: يا عبد الله، إنها خادمة، وليس لها أمر، فأردد إليها درهمها وخذ التمر. فلم يعرفه الرجل، وقام إليه(2) ليلكزه، فقال له: رجل من المسلمين، أتردي من هذا؟ هذا أمير المؤمنين، فانخزل الرجل وأصفر لونه، وأخذ التمر ونثره ورد إليها درهمها، ثم قال: يا أمير المؤمنين، ارض عني. فقال: ما أرضاني عنك إن أنت أصلحت أمرك.
ثم مشى حتى توسطهم، فقال: يا أصحاب التمر، أطعموا المساكين، وابن السبيل، فإن ربحكم يربو.
ثم مشى حتى أتى أصحاب السمك، فقال: ألا لا يباع في سوقكم طاف.
ثم مشى فأتى قوما يبيعون قمصا من هذه الكرابيس(3) فابتاع قيصا بثلاثة دراهم، فلبسه، فكان ما بين الرسغين إلى الكعبين، فلما وضعه في رأسه، قال: (( بسم الله والحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس، وأواري به عورتي )).
فقالوا: يا أمير المؤمنين، أشيء قلته برأيك أم سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: لا بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول هذا القول عند الكسوة.
ثم مشى حتى أتى المسجد فجلس فيه، ثم أخذ بلحيته، فقال: ما يحبس أشقاها أن يخضب هذه من هذا، وأشار بيده إلى رأسه، فوالله ما كذبت، ولا كذبت.
Page 51