231

الحمد لله الذي لا من شيء كان، ولا من شيء خلق ما كون، يستشهد بحدوث الأشياء على قدمه، وبما وسمها به من العجز على قدرته، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه، لم يخل منه مكان فيدرك بأينيه، ولا له شبح مثال، فيوصف بكيفية، ولم يغب عن شيء فيعلم بحيثية، مباين لجميع ما جرى في الصفات، وممتنع عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الأدوات، وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرم الحالات، لا تحويه الأماكن لعظمته، ولا تدكره الأبصار لجلالته، ممتنع عن الأوهام أن تستغرقه، وعن الأذهان أن تتمثله.

وفي رواية أخرى: فليست له صفة تنال، ولا حد يضرب له فيه بالأمثال، كل دون صفاته تحابير(1) اللغات، وضل هنالك تصاريف الصفات، وحار دون ملكوته عميقات مذاهب التفكير، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير، وحال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب تاهت في أدنى أدانيها طامحات العقول، واحد لا بعدد، دائم لا بأمد، قائم لا بعمد، ليس بجنس فتعادله الأجناس، ولا بشبح فتضارعه الأشباح، ليس لها محيص عن إدراكه لها، ولا خروج عن إحاطته بها، ولا احتجاب عن إحصائه لها، ولا امتناع من قدرته عليها، كفى بإتقان صنعه لها آية، وبتركيب خلقها عليه دلالة، وبحدوث ما فطر على قدمه شهادة، فليس له حد منسوب، ولا مثل مضروب، ولا شيء هو عنه محجوب، تعالى عن ضرب الأمثال، والصفات المخلوقة علوا كبيرا(2).

أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن أيوب البجلي، قال: حدثنا علي بن عبدالعزيز العكبري، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عن تميم بن ربيعة الرياحي، عن زيد بن علي،

عن أبيه عليه السلام، أن الحسين بن علي عليه السلام خطب في أصحابه، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:

Page 232