المنتخب من وصايا الآباء للأبناء
المنتخب من وصايا الآباء للأبناء
Publisher
طُبع بدار جنا بالإسكندرية-دار الدعوة بمحرم بك
Publisher Location
دار ابن القيم بالإسكندرية
Genres
ـ[وصايا الآباء للأبناء]ـ
المؤلف: وائل حافظ خلف
الناشر: طُبع بدار جنا بالإسكندرية - دار الدعوة بمحرم بك - دار ابن القيم بالإسكندرية
عدد الأجزاء: ١
[الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع]
المنتخب مِن وصايا الآباء للأبناء بقلم وائل بن حافظ بن خلف غفر الله له ولوالديه، وأحسن إليهما وإليه الطَّبْعَةُ الأُولَى
المنتخب مِن وصايا الآباء للأبناء بقلم وائل بن حافظ بن خلف غفر الله له ولوالديه، وأحسن إليهما وإليه الطَّبْعَةُ الأُولَى
Unknown page
بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير
إن الحمد لله نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم).
أما بعد:
فهذه طاقة عطرة من وصايا آباء أَلِبَّاء: صلحاء وأتقياء، وعلماء وحكماء، وأدباء وشعراء ... يَقْدُمُهم الرسل والأنبياء.
إنْ كُلٌّ إلا بَعَج بطنَه لولده [بَعَجَ بطنه له: أي: بالغ في نصحه]؛ كي يكملَ أدبُه، وتحسنَ رِعَتُه، ويصير من النجباء النبلاء ...
فمِن الأبناء مَن اتبع فاستقام، وكان منهم كهيئة الأصم لا يسمع أُذُنًا جَمْشًا [أي: لا يقبل نصحًا] وعَشَا عن النصح عَشْوًا؛ فأضحى سَدْمَان ندمان.
وقد انتخبتها - على عَجَل - من كتابي " مِن وصايا الآباء للأبناء " (١).
_________
(١) طَلَبَ إليَّ ذلك بعضُ الأفاضلِ فأَطْلَبْتُهُ. وقد نَصَصْنا كل وصية إلى بعض الكتب التي وقفنا عليها فيها. وأما التخريج المبسوط، وشرح الوصايا وبقية ما جمعنا وعَبَّدنا فلا حَطُوط ولا هبوط؛ فذلك في الأصل ولما يطبع. وأشترط أن لا أذكر إلا حديثًا ثابتًا عن رسول الله ﷺ، وأما الآثار فقد يوجد مقال في بعض أسانيدها، وأنت خبير بأن العلماء يتساهلون في إيراد أمثالها. والحمد لله أولا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا.
1 / 2
وهو جزء من سلسلة موسومة بـ"العِقد الثمين من وصايا أهل الحكمة والحصافة والدين ".
ووصايا أولئك وإن كانت قليلة المباني، إلا أنها جمة المعاني .. وكلامهم يخرج كالضوء يتلالأ ينير القلوبَ ويجلو صدأها؛ لتعودَ كالمرآة المصقولة .. ويتدفق في النفوس كتدفق أمواه النهر تسري ساقية تَنَائِفَ وسَبَاسِبَ ومَهَامِهَ عِطاشًا لتُخرج نبتها كريمًا باسقًا، الأصل ثابتٌ، والفرع في السماء .. ويملأ جَعْبَةَ مَن كان خاليَ الوَفْضَةِ ليفيضَ مِن بعدُ على مَن وراءه ..
وأنت - حفظك الله - قسيم في المعرفة بأنه لا يؤثر إلا المتأثر، ومَن نصح قلبه لله ومحضه؛ أقبل الله عليه بقلوب عباده وهيأها. فإذا كان اللسانُ قويمًا، وصاحبُهُ حَدُِثًا عليمًا؛ خط بالكلام على رَقِّ القلوب بمداد نوراني أذكى رائحة من المَيْعَة والحَبَق، فلا يزال يسطع فيها ويعبق؛ حتى يُفتح لها رِتاج ما استغلق عليها، وأعظم ذلك أن تلج باب الأنس بمعبودها، فالله طيب لا يقبل إلا طيبًا.
وصدق أبو عثمانَ عمرو بنُ بحرٍ الجاحظُ [المتوفى سنة خمس وخمسين ومائتين] إذ يقول: (١)
«أحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره، ومعناه في ظاهر لفظه، وكأن الله ﷿ قد ألبسه من الجلالة، وغشاه من نور الحكمة، على حسب نية صاحبه، وتقوى قائله.
_________
(١) في كتابه" البيان والتبيين " (ج ١ص٤٧) ط / دار الكتب العلمية.
1 / 3
فإذا كان المعنى شريفًا، واللفظ بليغًا، وكان صحيح الطبع، بعيدًا من الاستكراه، ومنزهًا عن الاختلال، مصونًا عن التكلف؛ صنع فى القلب صنيع الغيث في التربة الكريمة.
ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة، ونفذت من قائلها على هذه الصفة؛ أصحبها الله من التوفيق، ومنحها من التأييد ما لا يمتنع من تعظيمها به صدور الجبابرة، ولا يذهل عن فهمها عقول الجهلة.
وقد قال عامر بن عبد القيس:
«الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان».
وقال الحسن وسمع متكلمًا يعظ فلم تقع موعظته بموضع من قلبه ولم يرق عندها، فقال له: «يا هذا! إن بقلبك لشرًّا أو بقلبي» انتهى.
هذا، واللهَ ﷾ أسأل أن يجعل عملي كله صالحًا، ولوجهه خالصًا، ولعباده نافعًا.
وكتب
وائل بنُ حافظ بنِ خلف
بمنزلي الكائن بقرية العكريشة - مركز كفر الدوار- محافظة البحيرة - جمهورية مصر العربية.
في عصر الخميس: التاسعَ عشرَ ِمن شوال ١٤٣٠هـ
الثامن من أُكتوبر (تشرين الأول) ٢٠٠٩م.
1 / 4
رسالة إلى والد
أيُّهذا الأبُ الكريم!
ابنك فلذة كبدك، إن يك صالحًا كريم الجِرِشَّى؛ فمثل ثواب عمله يكون لك؛ فإنه من كسبك.
وهو أمانة لديك، فينبغي أن تقوم عليه في أدبه، وتنظر في أَوَده، وتلهمه حلمك، وتمنحه علمك، حتى يكمل عقله، ويستحكم فتله، ويقوى نظره وفكره؛ «فكلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته».
ولله در مَن قال:
أما تدري أبانا كل فرع ... يجاري بالخطى مَن أدبوه
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
وما نَوْلُك [أي: ما ينبغي لك] أن تمهل حتى يشتد الولد ويجمع جراميزه ويمتطي جواد الشباب، ولئن فعلت إنك لنادم ولات حين مندم، ثم تعذله، ورُبَّ لاَئِمٍ مُليمٌ .. وأعيذك بالله من أن تَقول لولدك يومًا: «أعييتني بأُشُرٍ، فكيف بِدُرْدُرٍ» [أي: لم تقبل النصح شابًّا، فكيف وقد بَدَتْ دَرَادُِرك كِبرًا؟!] ..
أو أن يُقال لك: «سبق السيفُ العَذَلَ» [مَثَلٌ يُضرب لما قد فات ولا يُستدرك].
ثم احذر أن يخالف عملُك قولَك، فلسان الحال أفصح من لسان المقال، وخير المقال ما صدقته الفعال.
فالزم هذا؛ ينجب ابنك ويحمدكَ، وإلا كنت يا صاح ملومًا، وتحملت من إثمه كفلًا وذَنُوبًا .. وصار هو وَصْمًا، يولد عارًا، وينتج شنارًا ... وهَلُمَّ جرًّا، مِن شُبَّ إلى دُبَّ [أي: من الشباب إلى أن يدب على العصا].
1 / 5
وأخيرًا:
لا تغفل الدعاء لولدك، فقد قالوا:
" الأدب من الآباء، والصلاح من الله ﷿ "
والسلام،،،
1 / 6
شذور في الوصية بالأدب
- قال ربنا (جل ثناؤه): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم:١٢]. قال غير واحد: معنى قوله (تعالى ذكره): ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ أي: علموهم وأدبوهم.
- رُوِيَ عن رسول الله ﷺ أنه قال: «مَا نَحَلَ والِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ». أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"، والترمذي في "السنن" (١٩٥٢)، والبيهقي في "السنن الكبير" (ج٣/ص٨٤) وضعفوه، وكذا ضعفه الذهبي وهو الصواب، وصححه الحاكم في "المستدرك" (٤/ ٢٦٣)!، ورمز له السيوطي بالصحة في "الجامع الصغير" (٨١١٨)!.
- عن عثمان الحاطبي قال: سمعت ابن عمر ﵄ يقول لرجل: «أدب ابنك؛ فإنك مسئول عن ولدك ماذا أدبته وماذا علمته؟، وإنه مسئول عن برك وطواعيته لك». أخرجه الإمام البيهقي في "السنن الكبير" (ج٣/ص٨٤).
- عن ضمرة بن ربيعة قال: سمعت سفيان الثوري ﵀ يقول: «كان يقال: حُسْنُ الأدبِ يطفئ غضبَ الربِّ ﷿) ا. هـ. أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (ج٦/ص٣٣٩/رقم٩٠٩٧).
- عن أبي زكريا العنبري قال: «علم بلا أدب، كنار بلا حطب. وأدب بلا علم، كروح بلا جسم» رواه الإمام
-
1 / 7
- السمعاني في أول كتابه "أدب الإملاء والاستملاء ". و"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" للخطيب البغدادي (١/ ٨٠).
- قال ابن الْمُقَفَِّع: «أَحَقُّ النَّاسِ بِالْعِلْمِ أَحْسَنُهُمْ تَأْدِيبًا».
- وقال أيضًا: «أَفْضَلُ مَا يُورِثُ الآبَاءُ الْأَبْنَاءَ: الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، وَالْأَدَبُ النَّافِعُ، وَالْإِخْوَانُ الصَّالِحُونَ» انتهى. "الأدب الصغير" (ص٤٤ - ٤٥) بتحقيقي.
- عن حَبِيْب الْجَلاَّب قال: قيلَ لابن الْمبارك ﵀: ما خَيْرُ ما أُعْطِيَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: «غَرِيْزَةُ عَقْلٍ فِيْهِ». قيل: فإن لم يكن؟ قال: «أَدَبٌ حَسَنٌ». قيل: فإن لم يكن؟ قال: «أَخٌ صَالِحٌ يَسْتَشِيْرُهُ». قيل: فإن لم يكن؟ قال: «صَمْتٌ طَوِيْلٌ». قيل: فإن لم يكن؟ قال: «مَوْتٌ عَاجِلٌ» ا. هـ أخرجه ابن حبان في "روضة العقلاء".
- قال ابن قيم الجوزية (قدس الله روحه ونور ضريحه): «أدب المرء عنوان سعادته وفلاحه، وقلة أدبه عنوان شقاوته وبواره. فما استُجْلِب خيرُ الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانهما بمثل قلة الأدب» ا. هـ "مدارج السالكين" (ج٢/ص٢٩٧ - ٢٩٨).
1 / 8
خمس وصايا من وصايا نبينا الكريم محمد ﷺ
والنبي ﷺ أب لجميع المؤمنين؛ قال ربنا ﵎: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب:٦].
وقد رُوِيَ عن أُبي بن كعب، وابن عباس ﵃ أنهما قرءا: ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم﴾.
وروى الإمام أبو داود ﵀ في "سننه " (٨) بسند جيد عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم ...» الحديثَ.
الوصية الأولى
عن أَبي ذَرٍّ جُنْدَُبِ بنِ جُنَادَةَ ﵁ قال: قلت: يارسولَ اللهِ! أوصني، فقال: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (ج٥ص١٥٣،ص١٥٨،ص١٧٧)، والترمذي في "جامعه" (كتاب البر والصلة- باب ما جاء في معاشرة الناس- حديث رقم١٩٨٧) وقال: "حديث حسن صحيح"، والدارمي في "سننه" (كتاب الرقاق- باب في حسن الخلق- حديث رقم (٢٧٩١)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (ج١ص٥٤حديث رَقْم١٧٨) وصححه على شرط الشيخين (!)، ووافقه الذهبي في "تلخيص المستدرك"، وله شواهد.
1 / 9
الوصية الثانية
عن أبي العباسِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: كُنْت خَلْفَ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَوْمًا، فَقَالَ:
«يا غلام! إنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَك، إذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لو اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوك بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَك، وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْك، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ».
أخرجه الإمام أحمدُ في "المسند" [ج١ص٢٩٣، ٣٠٣، ٣٠٧ - بأرقام (٢٦٦٩، ٢٧٦٣، ٢٠٤ - ترقيم الشيخ أبي الأشبال أحمد شاكر]، والترمذي في "جامعه" [كتاب صفة القيامة والرقائق والورع-حديث رَقْم (٢٥١٦)]، وقال: "حديث حسن صحيح"، وراجع "جامع العلوم والحِكَم" للحافظ ابن رجب الحنبلي ﵀ شرح الحديث التاسع عشر (١٩).
الوصية الثالثة
عن أبي سعيد الخدري ﵁ أن رجلًا جاءه فقال: أوصني. فقال: سألت عما سألت عنه رسول الله ﷺ من قبلك، فقال:
«أوصيك بتقوى الله؛ فإنه رأس كل شيء. وعليك بالجهاد؛ فإنه رهبانية الإسلام. وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن؛ فإنه رَوْحك في السماء، وذكرك في الأرض». أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (٣/ ٨٢). وانظر "فيض القدير" [الجزء الثالث-شرح الحديث رقم (٢٧٩١)]، و"مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" للحافظ
1 / 10
نور الدين الهيثمي ﵀ (٤/ ٢١٥، ٢١٦)، و"السلسلة الصحيحة" للشيخ ناصر الدين الألباني ﵀ (٥٥٥).
الوصية الرابعة
عن أبي ذَرٍّ جُنْدَُِبِ بنِ جُنَادَةَ ﵁ قال:
أوصاني خليلي ﷺ بخصال من الخير:
«أوصاني بأن لا أنظر إلى من هو فوقي، وأن أنظر إلى من هو دوني (١).
وأوصاني بحب المساكين، والدُنُوِّ منهم.
وأوصاني أن أَصِلَ رحمي وإن أَدْبَرَتْ.
وأوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم.
وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مُرًّا.
وأوصاني أن أكثر من قول:" لا حول ولا قوة إلا بالله "؛ فإنها كنز من كنوز الجنة».
حديث صحيح: أخرجه ابن حبان (٤٤٩ - إحسان) (٢٠٤١ - موارد الظمآن) واللفظ له، وأحمد (٥/ ١٥٩).
الوصية الخامسة
_________
(١) هذا في أمر الدنيا؛ فإنه أجدر أن لا يزدري العبدُ نعمة اللهِ عليه، أما في أمر الآخرة فلينظر الإنسان إلى مَن هو فوقه. والله أعلم.
1 / 11
عن العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ ﵁ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلَاةَ الْفَجْرِ ثُمَّ وَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا، فَقَالَ:
«أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ».
حديث صحيح: أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (٤/ ١٢٦، ١٢٧)، وعنه أبو داود (٤٦٠٧)، والترمذي (٢٦٧٦)، وابن ماجة في "المقدمة" (٤٢، ٤٣، ٤٤)، والدارمي في "المقدمة" (٩٥)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١٨/ ٦١٧، ٦١٨، .....)، والآجُرِّي في "الشريعة" (٩٢، ٩٣، ٩٤، ٩٥)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (٢٣٠٣، ٢٣٠٤، ٢٣٠٥، ٢٣١٠)، وابن أبي عاصم في "السنة" (٢٦، ٢٧، ٢٨، .... إلى ٣٤) وغيرهم، وصححه الترمذي، وابن حبان (٥)، والحاكم (١/ ٩٥ - ٩٧)، والبزار وغيرهم.
وصية نبي الله نوح ﷺ لابنه
عن عبد الله بن عمرو بن العاصي [هذا هو الأولى في كتابة العاصي: إثبات الياء لا حذفها، وكذا حذيفة بن اليماني، وشداد بن الهادي. نبه على ذلك الإمام النووي في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج] ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن نبيَّ الله نوحًا (صلى الله عليه
1 / 12
وسلم) لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاصٌ عليك الوصية (١):آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين:
آمرك بـ" لا إله إلا الله "؛ فإن السماوات السبع، والأرَضين السبع، لو وُضعَتْ في كفة، ووُضِعَتْ " لا إله إلا الله" في كفة، رجحت بهن " لا إله إلا الله ".
ولو أن السماوات السبع، والأرَضين السبع، كُنَّ حَلْقة مبهمة، فَصَمَتْهُنَّ " لا إله إلا الله ".
و" سبحان الله وبحمده " (٢)؛فإنها صلاة كل شيء وبها يُرزق الخلقُ.
وأنهاك عن الشرك، والكبر».
أخرجه الإمام أحمد في " المسند " (٢/ ١٦٩ - ١٧٠)،والبخاري في "الأدب المفرد" حديث رَقْم (٥٤٨)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (١/ ٤٩) وصحح إسنادَه العمادُ ابنُ كثير ﵀ في " البداية والنهاية ". وانظر "مجمع الزوائد " للحافظ نور الدين الهيثمي ﵀ (٤/ ٢١٩ - ٢٢٠).
_________
(١) في رواية عند الإمامِ أحمدَ (٢/ ٢٢٥) وغيرِه: «إن نوحًا لما حضرته الوفاة دعا ابنيه، فقال:" إني قاصر عليكما الوصية: آمركما باثنتين، وأنهاكما عن اثنتين .. " فذكر نحوه.
(٢) أي: وآمرك بـ" سبحان الله وبحمده ".
1 / 13
من وصايا نبي الله داود لابنه سليمان
عن يحيى بن أبي كثير ﵀ أن نبي الله داودَ قال لابنه سليمانَ (صلى الله عليهما وسلم): «يا بُنيَّ! لا تستقل عدوًا واحدًا، ولا تستكثر ألف صديق، ولا تستبدل بأخ قديم أخًا مستحدثًا ما استقام لك». ﴿" عيون الأخبار " للإمام ابن قتيبة، و"العِقد الفريد" لابن عبد ربه﴾.
وعن عبد الرحمن بن أبزى ﵀ قال:
قال داود النبى ﷺ:
«كن لليتيم كالأب الرحيم. واعلم أنك كما تزرع تحصد.
ومَثَل المرأة الصالحة لبعلها (١) كالملك المتوج بالتاج المخوص بالذهب، كلما رآها قرت بها عيناه.
ومثل المرأة السوء لبعلها، كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير.
واعلم أن خطبة الأحمق فى نادي قومه، كمثل المغني عند رأس الميت.
ولا تعدن أخاك شيئًا ثم لا تنجزه؛ فتورث بينك وبينه عداوة.
وتعوذ بالله من صاحب إن ذكرتَ الله لم يعنك، وإن نسيته لم يذكرك، وهو: الشيطان.
واذكر ما تكره أن يُذكر منك فى نادي قومك، فلا تفعله إذا خلوت». ﴿أخرجه الإمام أبو القاسم الطبراني فى " المعجم الكبير" بسندين، ورجال أحدهما رجال الصحيح. انظر " مجمع الزوائد" للهيثمي (٤/ ٢٧٤،١٠/ ٢٣٤)﴾
_________
(١) الَبعْل: الزوج، والجمع: البُعُولة، والبِعَال، والبُعُول. ويقال للمرأة أيضًا: بَعْل وبعلة، كزوج وزوجة.
1 / 14
وعن الإمام المبارك عبد الله بن المبارك ﵀ قال: قال داود لابنه سليمان ﵉: «يا بني! إنما يُستدل على تقوى الرجل بثلاثة أشياء:
- بحسن توكله على الله فيما أنابه.
- وبحسن رضاه فيما آتاه.
- وبحسن صبره فيما ابتلاه» ﴿أخرجه الإمام البيهقي ﵀ في كتاب "الزهد الكبير" (٩٦٦)﴾.
من وصايا نبي اللهِ سليمانَ بنِ داودَ لابنه
عن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان بن داود لابنه:
«يا بني! إياك والنميمةَ؛ فإنها أحد من السيف.
وإياك وغضب الملك الظلوم؛ فإنه كملك الموت.
يا بني! إياك والمراء؛ فإن نفعه قليل، وهو يهيج العداوة بين الإخوان.
يا بنى! خطيئة بني آدم فخرهم، والزنى عين الإثم.
يا بني! إن الأحلام تصدق قليلًا وتكذب؛ فلا يحزنك.
وعليك بكتاب الله فالزمه، وإياه فتأول.
يا بني! إياك وكثرة الغضب؛ فإن كثرة الغضب تسحق ﴿تستخف﴾ فؤاد الرجل الحليم» ﴿" حلية الأولياء " لأبي نعيم. وأخرج الفقرةَ الأولى كلٌّ مِن: الإمام هناد بن السري فى " الزهد " وابن حبان في " روضة العقلاء" .. وأخرج الفقرة الثالثة البيهقي في "شعب الإيمان "﴾.
1 / 15
وعنه قال: قال سليمان لابنه:
«يا بني! عليك بالحبيب الأول؛ فإن الآخر لا يعدله» ﴿" الحلية " لأبي نعيم، و" الروضة" لابن حبان، و"شعب الإيمان " للبيهقي﴾.
وعنه قال: قال سليمان لابنه:
«يا بني! لا تقطعن أمرًا حتى تؤامر مرشدًا؛ فإنك إذا فعلت ذلك لم تحزن عليه». ﴿" الحلية "، و" شعب الإيمان "﴾.
وعنه قال: قال سليمان بن داود لابنه:
«يا بني! إن أردت أن تغيظ عدوك؛ فلا تبعد عصاك عن ابنك وأهلك» ﴿"الحلية "لأبي نعيم﴾.
وعنه قال: قال سليمان لابنه:
«لا تكثر الغيرة على أهلك ولم تَرَ منها سوءًا؛ فترمى بالشر من أجلك وإن كانت منه بريئة» ﴿" السابق"﴾.
وعنه قال: قال سليمان لابنه:
«يا بني! عليك بخشية الله ﷿؛ فإنها غلبت كل شيء» ﴿" السابق"﴾.
وعنه قال: قال سليمان لابنه:
«مَن عمل بالسوء فبنفسه بدأ) ﴿"السابق"﴾.
وعنه أن سليمان قال لابنه:
«يا بني! لا تعجب ممن هلك كيف هلك، ولكن اعجب ممن نجا كيف نجا؟!.
يا بني! لا غنى أفضل من صحة جسم، ولا نعيم أفضل من قرة عين» ﴿" السابق"﴾.
1 / 16
وعنه قال: قال سليمان لابنه:
«إن من عيش السوء نقلًا من منزل إلى منزل» ﴿" السابق"﴾.
مِن وصايا لقمانَ الحكيمِ ﵁ لابنه (١)
قال ربنا (جل ثناؤه) في سورة لقمان: «وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩»).
_________
(١) انظر كتابنا " لقمان الحكيم ". وهو دراسة مستفيضة عن لقمان ﵁، جمعنا فيها كل ما وقفنا عليه مما يُروى عنه من أحوال وأقوال، ووضعناه على ميزان النقد العلمي، وانتهينا آخرة إلى قريب من رأي الإمام الشوكاني ﵀ الذي ارتآه في "فتح القدير".
1 / 17
ويُروى عن لقمان الحكيم ﵁ [هذا هو الأولى: الترضي عن لقمان وكذا مريم، لا التصلية. قاله النووي في "الأذكار"] أنه قال لابنه: «يا بني! اتخذ طاعة الله تجارة؛ تأتك الأرباح من غير بضاعة» ["كتاب الزهد" للإمام أحمد بن حنبل، و"كتاب الزهد" لابن أبي عاصم، و"الزهد" لأبي بكر البيهقي].
وقال له:
«يا بني! إن الدنيا بحر عميق، قد غرق فيها ناس كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحشوها إيمان بالله، وشراعها التوكل على الله؛ لعلك تنجو، ولا أراك ناجيًا» ["كتاب الزهد" للإمام ابن المبارك، و"الزهد" للإمام أحمد، و"الزهد" للبيهقي].
وقال له:
«يا بني! إني حملت الحجارة، والحديد، وكل شيء ثقيل، فلم أحمل شيئا هو أثقل من جار السوء.
يا بني! إني ذقت المر، فلم أذق شيئًا هو أمر من الفقر.
يا بني! لا تُرسلْ رسولك جاهلًا، فان لم تجد حكيمًا فكن رسولَ نفسك.
يا بني! إياك والكذبَ؛ فإنه شهي كلحم العصفور عما قليل يقلي صاحبه.
1 / 18
يا بني! احضر الجنائز ولا تحضر العرس؛ فإنَّ الجنائزَ تذكرك الآخرة والعرسَ تشهيك الدنيا.
يا بني! لا تأكل شبعًا على شبع، فإنك إن تلقه للكلب خير من أن تأكله.
يا بني! لا تكن حلوًا فتبلع، ولا مرًّا فتلفظ» ﴿عزاه في "الدر" لابن أبي شيبة، وأحمد، والبيهقي في "الشعب"﴾.
وقال له:
«يا بني! لا تتعلم العلم لتباهي به العلماء، وتباري به السفهاء، وتماري به في المجالس. ولا تترك العلم زهادة فيه ورغبة في الجهالة.
وإذا رأيت قومًا يذكرون الله فاجلس معهم؛ فإن تك عالمًا ينفعك علمك، وإن تك جاهلًا يعلموك، ولعل الله تعالى أن يطلع إليهم برحمة فيصيبك بها معهم.
وإذا رأيت قومًا لا يذكرون الله فلا تجلس معهم؛ فإن تك عالمًا لا ينفعك علمك، وإن تك جاهلًا يزيدوك جهلًا – أو قال: غيًّا -، ولعل الله تعالى أن يطلع عليهم بسخطة فيصيبك بها معهم.
يا بني! لا يغيظنك امرؤ رحب الذراعين يسفك دماء المؤمنين؛ فإن له عند الله ﷿ قاتلًا لا يموت». ["الزهد" لابن
1 / 19
المبارك، و"الزهد" للإمام أحمد، ومقدمة "سنن الإمام الدارمي"، و"جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر، و"حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" لأبي نعيم في ترجمة شهر بن حوشب ﵀].
وقال له:
«يا بني! كذب مَن قال: "إن الشر يطفئ الشر"!، فإن كان صادقًا فليوقد نارًا إلى جنب نار، فلينظر هل تطفئ إحداهما الأخرى؟!
وإلا فإن الخير يطفئ الشر كما يطفئ الماء النار». ["روضة العقلاء" لابن حبان ﵀].
وقال له:
«يا بني! إذا أتيت نادي قومك فارمهم بسهم الإسلام – يعني: السلام – ثم اجلس بناحيتهم، ولا تنطق حتى تراهم قد نطقوا، فإن أفاضوا في ذكر الله فأجِلْ سهمك مع سهامهم، وإن أفاضوا في غير ذلك فتحول عنهم إلى غيرهم». رواه ابن المبارك في "الزهد"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وأورده الإمام ابن كثير في "البداية والنهاية" وعزاه لابن أبي حاتم. وأورده أيضًا العلامة أبو العباس المبرد في كتابه النفيس القيم "الكامل في اللغة والأدب" (ج١ص١٠٢) ط/ مؤسسة المعارف – بيروت، وقال: «قوله:
1 / 20