Almaniya Naziyya
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
Genres
ولعل أقسى ما في هذا القانون حرمان الطائفة الثانية من الزواج؛ إذ كيف يتسنى تحديد مدى الاختلال أو الارتباك العقلي الذي يمنع صاحبه من الزواج إطلاقا، أضف إلى هذا أنه حتى في الحالات الأخرى، ما تزال مسألة انتقال الأمراض أو العاهات بالوراثة من المعضلات التي يعالجها العلم ولم يصل فيها إلى رأي حاسم، كما أنه لم يقم دليل قاطع على أن جميع الموضوعين تحت الوصاية أو ما يماثلها لا يصلحون للزواج، ومع هذا فقد تشدد النازيون في تنفيذ هذا القانون إلى حد أنهم صاروا يعتبرون كل زواج وقع مخالفا لمقتضيات «قانون الصحة والزواج» كأنه لم يكن، وكل شخص يقدم على مخالفة هذا القانون يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاثة شهور.
ولم يقنع الزعماء النازيون بإصدار هذا القانون، كما أنهم لم يشاءوا أن يتركوا المحاكم تجري تطبيقه حسبما يبدو لها، فطفقوا من ناحية أخرى يقسمون النساء الألمانيات الصالحات للزواج مجموعات حسب صلاحيتهن البيولوجية، فقال «ولثر داريه
Walther Darré » وزير للزراعة في دولة الريخ، وزعيم المزارعين أو الفلاحين، ما معناه: «إن الألمانيات ينقسمن من هذه الناحية أربعة أقسام: فهناك نساء الدرجة الأولى؛ ويسمح لهن بالزواج من الأشخاص الذين وصفهم «داريه» بأنهم يؤلفون طبقة الأشراف «النازية» الجديدة. وأما نساء الدرجة الثانية؛ فهن اللواتي يسمح لهن بالزواج من هؤلاء الأشراف أو النبلاء، إذا نجحن في خدمة المجتمع في فترة يوضعن في أثنائها تحت الاختبار - ولو أنه لم يبين نوع هذه الخدمة. وأما نساء الدرجة الثالثة؛ فهن اللواتي يستطعن الزواج من رجال الفئة السفلى، على أن تقوم الدولة في هذه الحالة بعقم هؤلاء الرجال حتى لا ينسلوا أطفالا مشابهين لهم من الفئة السفلى. وأما نساء الدرجة الرابعة؛ فهن اللواتي لا يسمح لهن بالزواج أو الإنسال إطلاقا».
وكأن جميع هذه القيود والاشتراطات لم تكن كافية، فتحدثت إحدى المجلات النازية عن مقياس جديد للزواج، هو مقدار ميل الفرد لغشيان المسارح والاهتمام أو الشغف بالألعاب الرياضية، هذا إلى جانب مقدار خلوص جنسه من الشوائب، فقالت: «من الواجب على كل رجل آري أن يتزوج من امرأة آرية شقراء، ذات عينين واسعتين زرقاوين ووجه طويل بيضي الشكل، جلدها أبيض مشرب بالحمرة، لها أنف دقيق، وفم صغير. كما يجب أن تكون هذه المرأة عذراء مهما كانت الظروف؛ أي إن الرجل الأشقر صاحب العينين الزرقاوين لا ينبغي أن يتزوج من امرأة سمراء أو من امرأة من نوع نساء البحر الأبيض ذات سيقان قصيرة وشعر أسود وأنف معوج وشفاه غليظة وفم واسع، تميل إلى البدانة. وكذلك فإن البطل الآري الأشقر من واجبه ألا يتزوج من امرأة شبه زنجية ذات الرأس المعروف والجسم النحيف الهزيل.» وزيادة على هذا، «فإن البطل الآري من واجبه أن يتزوج من امرأة آرية مساوية له، على أن تكون هذه المرأة من غير المشغوفات بالذهاب إلى المسارح أو الحفلات أو المولعات بالألعاب الرياضية، أو من اللواتي يملن إلى تمضية الوقت خارج بيوتهن.»
وظاهر من جميع ما تقدم أن الغرض من هذه القيود الثقيلة هو أن يظل الجنس الألماني خالصا من كل شائبة، فلا يتزوج الآري إلا من آرية وبالعكس، ثم إنشاء مجتمع نازي سليم العقل والجسم معا. ولتحقيق هذا الغرض قسم النازيون أفراد المجتمع الألماني طبقات ثلاث؛ أولاها: طبقة النبلاء الجدد النازيين، وهم أعضاء الحزب، أو الأفراد الذين ينبغي أن يقوم على أكتافهم تشييد الدولة الوطنية الاشتراكية الجديدة، مثل جنود الحرس
S. S. ، وهؤلاء كانوا - كما سنرى - مقيدين إلى جانب ما تقدم في اختيار زوجاتهم بقيود صارمة. أما الثانية: فطبقة العامة من الآريين، بقية أفراد الدولة الذين يجب أن يخضعوا لمقتضيات قانون الصحة والزواج وما يتصل به من تفسيرات قاسية. أما الثالثة: فطبقة الآريين التي لا يصلح أفرادها أصلا للزواج، أو التي ينبغي أن يمنع أعضاؤها من أن ينسلوا إطلاقا إذا أبيح لهم أن يتزوجوا، وهم يؤلفون الطبقة السفلى. ومما ينبغي ذكره أن النظام النازي الجديد لا يشرع لغير الآريين كالزنوج أو اليهود على وجه الخصوص في داخل ألمانيا ذاتها؛ لأنه لا يعترف بأنهم بشر لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات التي لبقية أفراد المجتمع الألماني؛ ولذلك عني النازيون منذ البداية بمسائل ثلاث؛ هي مسألة نقاء الجنس من الشوائب، ويتصل بذلك اضطهاد اليهود والعمل على إبادتهم بشتى الوسائل. ومسألة الصلاحية الجثمانية والعقلية، ويؤدي بحثها إلى ذكر الوسائل التي كان يتبعها النازيون من أجل إقصاء غير الصالحين من أعضاء المجتمع الألماني. وأخيرا مسألة دعم طبقة النبلاء النازيين الجديدة.
ولما كان الغرض الذي كان يرمي النازيون إلى تحقيقه من هذا كله، إيجاد الكتلة الصلدة المتماسكة في داخل الريخ، تلك الكتلة التي لم يكن عن وجودها غنى في نظرهم لبسط سيطرتهم العالمية في النهاية، فقد تفرغ عن هذه المسائل الثلاث، واتصل بها في الوقت نفسه اتصالا وثيقا، مسألتان أخريان: هما ضرورة تحديد مركز المرأة في المجتمع النازي، وضرورة الإكثار في النسل بشتى الوسائل؛ حتى تجد الدولة الوطنية الاشتراكية «قوة بشرية» تستطيع بعد تنشئتها التنشئة النازية الصحيحة، أن تستخدمها كأداة فعالة في بسط سلطانها على القارة الأوروبية وعلى بقية العالم في النهاية. •••
وكان من رأي مفكري النازيين «أن نوع الجنس الذي ينتمي إليه الإنسان يؤثر في أعمق نزواته النفسية مهما كانت هذه النزوات لا شعورية، كما أن من شأن هذا الأثر أن يتغلغل إلى أدق أجزاء المخ. وعلى ذلك يطبع الجنس خصائص الإنسان النفسية أو الروحية بطابع معين لا يمحى أثره، كما يترك طابعه أيضا على مظهر الإنسان الخارجي. فالجنس هو الذي يعين نوع الأفكار والإدراكات العقلية التي تكون من نصيب الإنسان، وهو أيضا يعين مدى قوته ومدى غرائزه وميوله، ويقرر نوع خلقه وطبيعة نفسه».
وعلى هذه النظرية بنى النازيون أكثر ما في برنامجهم من قواعد ومطالب، وعلى ضوئها ساروا في تطبيق مبدأ اختيار الصالحين للزواج وللإنسال في دولة الريخ الثالث، وقد قال فيلسوفهم «ألفرد روزنبرج» إنه شديد الاعتقاد بأن الأجناس المختلفة شديدة التباين من حيث أثرها في تكوين الخلق، ورسم السلوك، كما أن هذا الأثر لا مندوحة عن ظهوره في نوع الموسيقى والرقص؛ إذ إن من المسلم به أن نوعا معينا من الموسيقى أو الرقص لا يمكن نقله من شعب اختص به إلى شعب من جنس آخر، وكذلك الحال في أمر اللغة ... وقد اقتفى أثر «روزنبرج» في هذا أيضا عالم آخر، هو الدكتور «جرد شهاك
Gerd Cehak »، فأعلن أن لكل جنس طريقته الخاصة في الكلام من حيث الإسراع أو الإبطاء في إخراج اللفظ، ثم في السير وفي الحركة، ومن رأيه أن الجنس النوردي هو أبطأ الأجناس قاطبة في ذلك، وقد ترتب على الأخذ بنظرية التأثير الجنسي هذه القول بأن كل جنس من الأجناس المعروفة يميل إلى تفضيل ألوان معينة، أي إن لكل جنس مزاجه اللوني الخاص، فيميل النورديون كما يؤكد «الدكتور هانس جونثر
Unknown page