إذ لا تزال كلمة الأب في أكثر اللغات الأوروبية متفرعة من هذا الجذر الأصيل على تعدد اللهجات ومخارج الحروف.
واشتملت البرهمية القديمة على عبادة الأسلاف كما اشتملت على عبادة المظاهر الطبيعية. فتقديس الملك عندهم إنما هو تقليد موروث من تقديس جد القبيلة، تحول إلى تقديس الرئيس الأكبر في الدولة بعد أن تحولت القبيلة إلى الأمة، ويحسب العلامة إليوت سميث - كما قال في كتابه «المبادئ»
The Beginning : «إن مراسم تقديس الملك التي لا تزال مرعية في جوار الهند كانت تحاكي مراسم قصة الخليقة كما تخيلها المصريون، فلم يكن حق الملك مستمدا من الجلوس على العرش أو من البناء بالمملكة التي تنقل إليه حقوقه الملكية، ولكنه يتولى هذا الحق بعد تقديسه في حفل يمثل قصة الخليقة، وكأنهم يعنون بهذا أن الملك يستمد من ذلك التقديس قدرته على الخلق ومنح الحياة، وهي قدرة لا غنى عنها لاضطلاعه بالفرائض الملكية.»
وقصة الخليقة في الهند تشبه قصة الخليقة المصرية في أكثر من صيغة واحدة من صيغها العديدة: فالحياة خرجت من بيضة «ذهبية» كانت تطفو على الماء في العماء، والإله الأكبر كان ذكرا وأنثى فهو الأب والأم للأحياء كما جاء في «رع» في بعض الأساطير المصرية، وبناء العالم من صنع بناء ماهر في أساطير مصر والهند على السواء، وتتفق مصر وبابل والهند على أن الإله الأكبر قد خلق الأرض بكلمة ساحرة، فأمرها بأن توجد فبرزت على الفور إلى حيز الوجود. •••
وتعززت في الهند عبادة «الطواطم» بعقيدتهم في وحدة الوجود وتناسخ الأرواح كما تعززت بعقيدة الحلول.
فعبدوا الحيوان على اعتباره جدا حقيقيا أو رمزيا للأسرة ثم للقبيلة، ثم تخلفت عبادة الحيوان حتى آمنوا بأن الله يتجلى في كل موجود أو يخص بعض الأحياء بالحلول فيه، وآمنوا بتناسخ الأرواح فجاز عندهم أن يكون الحيوان جدا قديما أو صديقا عائدا إلى الحياة في محنة التكفير والتطهير، فعاشت عندهم الطوطمية في أرقى العصور كما عاشت في عصور الهمجية، لهذا الامتزاج بين الاعتقاد الحديث والاعتقاد القديم.
لكنهم خلصوا كما خلص غيرهم من هذه العبادات إلى الإيمان بالإله الواحد، وإن اختلفوا في المنهج الذي سلكوه، فلم يكن إيمانهم به على الأساس الذي قام عليه إيمان الشعوب الأخرى بالتوحيد.
فهم قد بدأوا بإبطال جميع المظاهر فنسبوا إليها التعدد والاختلاف لأنها تتكرر وتزول وتستر من ورائها الحقيقة الأبدية التي لا تتكرر ولا تزول، وتلك هي حقيقة القضاء والقدر، التي تقدر للآلهة وتقضي عليهم كما تقدر لسائر الموجودات وتقضي عليها في أجلها المحدود.
وهنا ذهب حكماؤهم إلى مذهبين غير متفقين: فبعضهم تمثل تلك الحقيقة إلها واحدا قريبا من الإله الواحد في أكثر ديانات التوحيد. قال ماكس موللر الثقة الحجة في اللغات الآرية: «أيا كان العصر الذي تم فيه جمع الأناشيد المسطورة في الرجفيدا فقبل ذلك العصر كان بين الهنود مؤمنون بالله الأحد الذي لا هو بذكر ولا بأنثى ولا تحده أحوال التشخيص وقيود الطبيعة الإنسانية، وارتفع شعراء الفيدا في الواقع إلى أوج في إدراكهم لكنه الربوبية لم يترق إليه مرة أخرى غير أناس من فلاسفة الإسكندرية المسيحيين، ولكنه فوق هذا لا يزال أرفع وأعلى مما يطيف بأذهان قوم يدعون أنفسهم بالمسيحيين.»
وتبدو مداناة هؤلاء البراهمة لمذهب الموحد المؤمن «بالذات الإلهية» من إيمانهم بالخلاص على يد الله، وبقاء فريق منهم بعد ذلك بمئات السنين ينقسمون في شرح سبيل الخلاص على نهجهم الذي لا نستغربه من قوم يعظمون الحيوان ذلك التعظيم، فمنهم من يسمي سبيل الخلاص بالسبيل القردية ومنهم يسميها بالسبيل القطية، ويقصدون بهذه التسمية أن الله يخلص الإنسان إذا تشبث به كما يتشبث ولد القرد الصغير بأمه وهي تصعد به إلى رءوس الأشجار، أو أن الله على اعتقاد الآخرين يخلص الإنسان وهو مغمض العينين مستسلم للقضاء، كما يستسلم ولد القطة لأمه وهي تحمله مغمضا من مكان إلى مكان.
Unknown page