468

Al-Kifāya fī al-tafsīr biʾl-maʾthūr waʾl-dirāya

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

Publisher

دار القلم

Edition

الأولى

Publication Year

١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

وعلى هذا القول، يستقيم الضمير في ﴿عَلَيْكُمْ﴾، ويجيء كل ما توالى من الأوامر على جهة الاستدامة.
والثاني: أن الخطاب لجميع بني إسرائيل في مدة النبي ﵇، مؤمنهم وكافرهم، والضمير في ﴿عَلَيْكُمْ﴾، يراد به على آبائكم كما تقول العرب ألم نهزمكم يوم كذا لوقعة كانت بين الآباء والأجداد. وهو قول ابن عباس (١)، وجمهور العلماء (٢)، ومنه قول الفرزدق (٣):
وَبَيْتَانِ: بَيْتُ اللهِ نَحْنُ وُلاتُهُ ... وَبَيْتٌ بأعْلَى إِيلِيَاءَ مُشَرَّفُ
يريد أن آباءه في القديم كانوا يلونهما، لا أنه كان يليه.
وقال آخر (٤):
إِذا افْتَخَرَتْ يَوْمًا تَمِيمٌ بِقَوْسِهَا ... فَخَارًا عَلَى مَا أَطَّدَتْ مِنْ مَنَاقِبِ
فَأَنْتُم بِذِي قَارٍ أَمَالَتْ سُيُوفُكُم ... عُرُوشَ الذِينَ اسْتَرْهَنُوا قَوْسَ حَاجِبِ
أراد آباؤكم فعلوا ذلك، لأن المخاطبين بهذا البيت كانوا بعد ذي قار بدهر طويل (٥).
قوله تعالى: ﴿اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٤٠]، أي: "اذكروا ما أنعمت به عليكم وعلى آبائكم" (٦).
قال البيضاوي: " أي بالتفكر فيها والقيام بشكرها" (٧).
قال البغوي: أي: احفظوا نعمي التي أنعمتها على أجدادكم وأسلافكم (٨).
قال ابن عثيمين: " أي اذكروها بقلوبكم، واذكروها بألسنتكم، واذكروها بجوارحكم؛ وذلك؛ لأن الشكر يكون في الأمور الثلاثة: في القلب، واللسان، والجوارح" (٩).
وقال السعدي: "وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها، والمراد بذكرها بالقلب اعترافا، وباللسان ثناء، وبالجوارح باستعمالها فيما يحبه ويرضيه" (١٠).
قال البغوي: " والذكر: يكون بالقلب ويكون باللسان وقيل: أراد به الشكر، وذكر بلفظ الذكر لأن في الشكر ذكرا وفي الكفران نسيانا، قال الحسن: "ذكر النعمة شكرها" (١١) " (١٢).
وقال ابن عطية: " والذكر في كلام العرب على أنحاء، وهذا منها ذكر القلب الذي هو ضد النسيان" (١٣).
وقوله تعالى: ﴿نِعْمَتِيَ﴾ أي: "نعمي، لفظها واحد ومعناها جمع، كقوله تعالى ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ١٨] " (١٤).
وتحركت (الياء) من ﴿نِعْمَتِيَ﴾، لأنها لقيت الألف واللام، ويجوز تسكينها، وإذا سكنت حذفت للالتقاء (١٥).
قال الفراء: "وأما نصب الياء من ﴿نِعْمَتِيَ﴾، فإن كل ياء كانت من المتكلم ففيها لغتان: الإرسالُ والسكون، والفتح، فإذا لَقيتها ألفٌ ولام، اختارت العربُ اللغة التي حركت فيها الياء وكرِهوا الأخرى لأن

(١) تفسير الطبري (٨٠٠): ص ١/ ٥٥٥.
(٢) نقل قول الجمهور ابن عطية، أنظر: المحرر الوجيز: ١/ ١٣٣.
(٣) البيت في "ديوان الفرزدق" ٢/ ٣٢، "معجم البلدان" ١/ ٢٩٣، وإيلياء: بيت المقدس.
(٤) البيتان لأبي تمام، وقوله: "ذي قار" يوم من أيام العرب، كان لهم على الفرس، وحاجب: هو ابن زرارة بن عدس، كان أرهن سيفه لكسرى، انظر: "ديوان أبي تمام مع شرحه" ١/ ١٠٩، "معجم البلدن" ٤/ ٢٩٤.
(٥) أنظر: التفسير البسيط: ٢/ ٤٢٦ - ٤٢٧.
(٦) صفوة التفاسير: ١/ ٤٦.
(٧) تفسير البيضاوي: ١/ ٧٥،
(٨) أنظر: تفسير البغوي: ١/ ٨٦. (بتصرف بسيط).
(٩) تفسير ابن عثيمين: ١/ ١٤٣.
(١٠) تفسير السعدي: ٥٠.
(١١) رواه ابن مبارك في الزهد (١٤٣٤): ص ٥٠٣، ومن طريقه ابن أبي دنيا في (الشكر): (٣٣)، ومن طريقه البيهقي في الشعبي (٤٤٢١): ص ٤/ ١٠٢، و(٤١٠٧): ص ٨/ ٣٦٥، واللفظ فيها: "أكثروا ذكر هذه النعم، فإن ذكرها شكر". وانظر: البغوي: في تفسيره: ١/ ٨٦، وأبو حيان: ٤/ ٥٥.
(١٢) تفسير البغوي: ١/ ٨٦.
(١٣) المحرر الوجيز: ١/ ١٣٣.
(١٤) تفسير البغوي: ١/ ٨٦.
(١٥) أنظر: المحرر الوجيز: ١/ ١٣٣.

2 / 211